بقيت ليبيا طويلاً في عزلة عن محيطها العربي، إبان حكم الرئيس السابق معمر القذافي، وهي عزلة حاول النظام السابق تعويضها بالبحث عن حاضنة إفريقية، دون مراعاة للنسيج العربي للشعب الليبي الذي ينسجم في طموحه وتطلعاته مع الشعوب العربية وليس مع الشعوب الإفريقية. اليوم، أصبح النظام الليبي السابق من الماضي، وأصبح حقبة سياسية ولَّت ومضت، والتعويل الآن على الفرقاء السياسيين الحاليين. لكن المراقب يستشعر ثمة خطراً يبرز على السطح من كون بعض الميليشيات وفصائل الثوار في ليبيا تصر على تكرار النهج الخاطئ السابق، عن طريق تكريس العداء والكراهية ليس فقط بين ليبيا ومحيطها العربي، بل أيضاً عن طريق ضرب وقتل اللحمة الوطنية الليبية الداخلية. فترى وتسمع تعليقات وتصريحات تصدر من هنا وهناك عن قادة كبار لفصائل الثوار التي شاركت في إسقاط النظام السابق، وهي تصريحات تؤكد أن بوصلة هؤلاء القادة الثوريين يعتريها بعض العور، وأنها تهتم بترسيخ الولاء إلى التنظيم الفكري والعقائدي والحزبي على حساب بناء مؤسسات الدولة ولحمة أبنائها ووحدة ترابها..!. إن مثل هذه الممارسات بكل تأكيد تحمل في طياتها كثيراً من المخاطر التي قد تقود ليبيا مجدداً -لا سمح الله- إلى عزلة عربية وإقليمية ودولية لا أحد يتمناها، خاصة أن الدولة تحولت إلى البلقنة والصوملة، وانتشرت فيها الجريمة وعمليات الثأر والتصفيات الجسدية، والمواجهات العسكرية التي تستهدف البنية التحتية للمؤسسات والوزارات التي هي ملك لجميع المواطنين الليبيين وليست ملكاً لفصيل أو ميليشيا. الآن هنالك فرصة قائمة، لكي يستعيد الليبيون هيبتهم ووحدتهم ووطنهم، فهناك وسيط دولي ومبعوث أممي يعمل على جمع الفرقاء على طاولة الحوار، والأهم أن هناك رئيس حكومة مؤقتة هو عبدالله الثني، يعمل بجد وبمثابرة في اتجاه إعادة ليبيا إلى عمقها العربي، وهو ما تأكد من خلال زيارته الأخيرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وبحثه مع المسؤولين الإماراتيين السبل الكفيلة بمساعدة بلاده على النهوض مجدداً. اليوم رئيس الوزراء الثني بادر إلى زيارة مصر، وهي خطوة أخرى مهمة، تهدف إلى توطيد العلاقات الليبية المصرية، ومناقشة قضايا الأمن الداخلي في ليبيا، وتأهيل الجيش الليبي وتدريبه بواسطة الجيش المصري، وكيفية ضمان أمن الحدود المشتركة الليبية المصرية، خاصة بعد انتشار فوضى السلاح، وتصدير بعض الجماعات الإرهابية التكفيرية الليبية العنف إلى خارج الحدود.