في أرضي وعلى قممها وبين أوديتها محرضات تحرك في النفس كل الحواس، فتتحد لتصبح حاسة واحدة، إما ناطقة شاعرة تتغنى وتترنح على أرصفة مواعيد اللحظات المتفردة إبداعا وحسنا، فتصورها في أبهى صورة، أو ناظرة تؤطر اللحظة في برواز من فتنة وغواية لا حدود لها. لم تترك عسير ابنها فايع الألمعي إلا وقد سكبت مقومات اﻹبداع ومكامن الحس الراقي بين أنامله، فمن يرى إحدى لوحاته لا ينصرف حتى يبحث عن المزيد من التيه مع هذا الشعور المسكوب والمنظوم بأناقة وتمكن، رأيت الكثير والكثير وأقف متأملة شغوفة بالفن التشكيلي، لكن عند لوحات الأستاذ ليوناردو (فايع) الألمعي تقف كل أحاسيسي ترتوي من دقة التفاصيل وواقعية التصوير. ريشة هذا الفنان أشبه بزورق جميل يأخذنا إلى غياهب الفن التشكيلي وما يحويه من انتعاش الألوان وسطوة الذائقة المتمكنة. رأيت له لوحات غاية في الجمال تزين مبنى نادي أبها الأدبي، فكأنما الناظر إليها يقف بين سبل منطقة عسير قبل أربعين عاما، أشبع الحنين الذي يسكن نفوسنا إلى الماضي، وأخذ بأرواحنا إلى تفاصيل النقاء وحيوات كنا نعيش تفاصيلها بحب. كل واحدة من لوحاته ترتب في نفوسنا فوضى الذائقة، وتربت على أرواحنا التي تتسول الجمال، وتعيش في أشد الفاقة إلى مساحات الجمال وتكتلات الألوان المبهجة، منطقتنا تسير في الاتجاه المعاكس لنضارة الألوان، تكاد تصبح لونا واحدا باهتا، والتشكيليون هم الذين يعيدون لها رونقها، ويبعثون فيها روح الحياة، ويجعلوننا على صلة دائمة باللون الأخضر، وللأستاذ فايع الألمعي أثر جميل وبصمة واضحة في إعادة هيكلة الفن والسير بالقرية التشكيلية إلى مرحلة متقدمة من الازدهار والتطور المبهر. صاحب الريشة المختلفة أبهر الجميع بما يحمله من إبداع وذوق رفيع وحس راق. شهد له الأمير خالد الفيصل: (أن فنه وإبداعه يبرهن على نجاح مشروع قرية المفتاحة التشكيلية). وقال عنه الأستاذ الشاعر أحمد عسيري: (فايع الألمعي فنان يحتشد للوحته ويتوغل في مساحاتها بين الظل والضوء والحركة بحثا عن لغة محملة بالدهشة واقتصاد في الشخوص والمفردات والاهتمام بالمضمون الاجتماعي واﻹنساني في اللوحة، إنه فنان يضج باﻷبعاد الدرامية، فهو لا يكف عن مطاردة وملاحقة الزمن على الجدران القديمة، خصب التجربة، لديه جرأة نادرة في مشاكسة الطبيعة، حيث يقول أحد الفلاسفة: "إن الطبيعة تحب الاختباء" ولكن هذا الفنان لا يتورع عن فضحها وكشف غطائها وتعرية مكنوناتها). ليوناردو الألمعي جدير أن نحتفي به كما نحتفي بذائقتنا.