ليس ما يرهق الليل، ليس ما يُجهد آخره بالذات، هو كيف بدأ شيء أو كيف ينتهي أو يغيب.. بل لماذا تعثر! نصف السقوط، منتصف الهاوية.. أكثر وجعاً من الارتطام. منتصف الهاوية هو الجحيم، غول الهلع المعلق في الفراغ السحيق والأبدي ما بين الحياة والموت، الذهاب لأقصى الوقت وفقدانه في آن واحد. ما يتعثر ولو قليلاً يوقظ هذا الحريق، يملأ بالغبن والرجاء، يغرز فيك أسياخ الانتظار والأمل واليأس والرعونة، ويشويك في هذا العدم! هل تعثر في حياتك شيء يوماً ما، هل حدث ومرغك الأرق على هذا النحو! هل بقيت زمناً وأنت ترى في مناماتك شيئاً ما سيعاود المشي! ملأت وسادتك بالطرقات والأقدام.. ثم تصحو والصمت يكبر ويكبر، تستأنف ليلة أخرى، ثم أخرى، وأخرى.. وهكذا! البقاء في تعثر شيء ألعن وأكثر فداحة من خرابه النهائي. وكثيراً ما يحدث أن يقوم ما أو من تعثر.. لكن ندبة العثرة في الروح والذاكرة لا تنمحي. ومهما تقادم الوقت فعينا الغول ستبقى هناك، تومضان من بعيد. قرأت مرة عرضاً مختصراً لقصة حياة لاعب كرة السلة، بل أسطورتها وعبقريتها، مايكل جوردن، وتوقفت مراراً ومراراً عند لحظة نشيجه الشهيرة. كان والده يحلم أن يمتلك سيارة موستينغ حمراء، وحين أصبح جوردن نجم كرة السلة وأثرى أثريائها قام بشراء هذه السيارة لوالده، لكنه استيقظ في اليوم التالي ليجد أباه مقتولاً في تلك السيارة. تعثر، اضطرب، اعتزل اللعب وغادر فريقه، بقي لأعوم حتى استطاع أن يقوم من عثرته هذه وعاد لفريق شيكاغو ويلز، وقاده حتى الفوز بالبطولة عام 1998، وفي الثواني الأخيرة من المباراة كان هو من حسم كل شيء، وأطلق الحكم صافرته والكرة بين يدي جوردن، فانهار لحظتها، تمدد على بطنه ممسكاً الكرة بكل قوته وراح ينتحب. لا بد أنها قرصته ذكريات تلك العثرة، رأى عيني الغول ودماء أبيه. داهمته ليالي الأرق والهاوية، وشعر بذلك الشهيق الطويل. الحياة في داخل ما يتعثر، عدم القدرة على القيام مرة أخرى، عذاب محض وخزي لا يطاق. لذا فعليك أن تقوم بأحد أمرين، قم.. قم فوراً، أو تخلص من روحك للأبد. لا تبق في منتصف الهاوية، إما أن تقفز لطريق آخر، أو ضع حداً لحياتك.. وارتطم.