لا أدري لماذا لا زلنا إلى اليوم نعتمد على الكتابة الخطية للأطباء في الوصفات الطبية، لا سيما وأن الكثير من الأطباء عُرِف عنهم الخط السيئ الذي لا يفك شفرته إلا الصيدلي، فهذا عصر الحاسب والطابعات ذات الخط الواضح الدقيق، وإذا أردتم سبباً آخر يدعوا لنبذ هذا التقليد السيئ فخذوا هذه الإحصائية: إن خط الأطباء السيئ يقتل كل سنة 7 آلاف شخص في الولايات المتحدة! أما في بريطانيا فإن عدد وفيات الأخطاء الطبية (بشكلٍ عام)30 ألفاً، ويقول المختصون إن خط الطبيب جزء من هذه المشكلة. يكتب الطبيب أدوية وجرعاتها ويأخذها المريض إلى الصيدلي والذي يحملق فيها ويذهب للخلف ومعه الأدوية التي يظن أنها المقصودة وإنما هي الأدوية الخاطئة، وفيها يكون حتف المريض الذي سلّم ثقته الكاملة لهما! إنها مشكلة، حتى إن بعض الأطباء نشروا رسالةً علمية قالوا فيها إن كتاب الوصفات الطبية بخط اليد «ديناصور يفترض أنه انقرض منذ زمنٍ بعيد»! على مر الزمن تذبُل التقنيات القديمة وتَقْدُم الجديدة لتحل محلها، وهذا ما بدأ يحصل الآن مع الوصفات الطبية، فإذا أراد الطبيب وصف دواء طبع هذا على ورقة باستخدام الحاسب، أو في بعض المستشفيات فإن الطبيب يُرسل الوصفة مباشرة لصيدلية المستشفى عبر شبكة الحاسب – بما في ذلك طريقة استخدام الدواء – ويستلمها الشخص من هناك بكل وضوح، وهذا يزيل تلك المشكلة، لكن بعض التقنيات تقاوم هذا، ومن ذلك تلك الأحفورة التي تسمى «فاكس»! رغم ظهور الإيميل إلا أن البعض لا زال يصر على استخدام الفاكس مثل بعض الشركات والدوائر العامة التي لا تقبل الوثائق والمعاملات والسير الذاتية إلخ إلا بالفاكس، رغم ما فيه من عيوب، منها الفهم الأضعف، فالورقة الواضحة في يدك تصبح أقل وضوحاً إذا وصلت للطرف الآخر، و مثل الوقت، فعملية الإرسال تأخذ وقتاً بل وقتاً طويلاً إذا كانت الوثيقة طويلة، بينما لا يأخذ هذا إلا ثوانٍ باستخدام الإيميل حتى لو أرسلت موسوعةً من آلاف الصفحات، أما بالفاكس فإن وثيقة من 50 صفحة أضعاف أضعاف هذا الوقت، بل وأكثر إذا نفد الحبر أو تعطل الجهاز أو حصلت مشكلة في الخط! أيضاً هناك مشكلة تضرّر البيئة، فالفاكس يجبرنا أن نقطع الأشجار لنصنع الورق، والأشجار من أساس الحياة في الكوكب كله، وبدونها تندثر الحياة الحيوانية والبشرية. في هذا العصر تسارعت عجلة التقنية جداً، وصارت التقنيات تختفي وتُستَبدَل بشكلٍ بالغ السرعة، ففي السابق مثلاً ظل الناس يستخدمون القناديل آلاف السنين، حتى أتى المصباح الكهربائي وأزاله من عرشه، أما اليوم فإن التقنية أحياناً لا تلبث أكثر من بضع سنين إلا وتركلها التقنية الجديدة من مكانها، والتي بدورها تُقذَف خارج النافذة بعد أن تأتي تقنية أحدث، وهلم جراً، ولكن من الأمثلة السابقة يظهر أن بعض التقنيات تظل متشبثة بالحياة بيديها وقدميها، أعاننا الله على إزالتها!