×
محافظة المنطقة الشرقية

F16 يوقع اليوم مع مسرحي

صورة الخبر

في مجتمع الخيام تصبح الحياة غير الحياة، وتتحول الأحلام سواداً على طول النظر، هناك حيث تسكن معظم العائلات المشردة من قبل الاحتلال بعدما هدم منازلها، هناك حيث يأكلون ويشربون وينامون ويمارس الأزواج منهم حياتهم الخاصة بسرية تامة وكأنهم يسرقون آخر متعة بقيت لهم بخجل من أن يسمعهم أحد الأبناء أو أحد المتطفلين. شكوى زوجة في خيمة أم رائد التي تفتقد لأي مقومات الحياة إلا من حصيرة صغيرة توسطت المكان، تحدثت وكأن الكلام يسقط منها دون قصد، كانت تعبر بعفوية عند سؤالها عن أوضاعها داخل هذه الخيام. غير أن الغريب أن المرأة الثلاثينية لم تجد حاجزاً من الخجل تبقى لتتكلم عن معاناة تعاني منها أغلب نساء المخيم، تتلخص في فقدانهن أنوثتهن في هذا المكان، وأنهن بتن يشتقن إلى أيام خلت كانت الواحدة تعيش مع زوجها حياة حميمة غابت تماماً هذه الأيام. تقول أم رائد: اقترب أزواجنا من الجنون، فهم لا يستطيعون الاختلاء بنا، لعدة أسباب، وربما يفتقد البعض أبسط من هذه المعاني، فأنا أعرف قصة لرجل طلب أن يرى شعر امرأته مسرحاً بعد أن لم يره منذ شهور طويلة. وتضيف: الحياة الزوجية الفطرية التي يحتاجها كل البشر أصبحت معدومة هنا، فنحن نخاف من حركاتنا وأصواتنا، نخجل من أطفالنا ومن الجيران، فما نعيش به من خيام لا يستر إلا القليل بينما تبقى أمور كثيرة مشاعاً للجميع، يمكن لأي شخص أن يرى ويتابع ما يدور داخلها. نحلم بسرير وحمام ساخن الاحتلال مر من هنا، فحول حياة الناس جحيماً لا يطاق، أسر كثيرة تسكن الخيام منذ سنوات، لا تجد لها مأوى من البرد والحر، تغيب عنهم أبسط مقومات الحياة الكريمة، رغم هذا يمارسون حياتهم لكن ليس كما يجب. وطعم الراحة مصطلح لا تعرفه كثير من الأمهات داخل الخيام، دون كهرباء أو دورة مياه ولا حتى فراش لنوم مريح. هذا ما تعبر عنه أم حنان في حديثها عن اشتياقها كأي إنسان للنوم في مكان مريح، بل إنها تحتاج إلى حمام ساخن ربما يرفع عنها عناء الحياة في هذا المكان الذي يفتقد إلى أدنى متطلبات الحياة الإنسانية. أم حنان تشاركها نساء أخريات في طموحاتها المشروعة، بأن تضع الماكياج التي تعتاد النساء على وضعه للتزين لأزواجهن، لكن السؤال الذي يداهمهن دائماً، كيف يتم هذا؟ وأين؟ ومتى؟. ليلة في الخيمة أما أم محمود التي تسخر من ظروفها كلما ذكر التلفاز فتقول: كم اشتاق إلى الجلوس أمام التلفزيون ومعرفة آخر الأخبار والتمتع بمتابعة مسلسل أو فيلم أو حتى كارتون توم وجيري أو غيره ولو لدقائق. ثم قالت بمرارة: تعال نم ليلة واحدة وجرب الحياة في الخيمة. وكأن غزة تحتاج مزيداً من المخيمات، يأتي معسكر الخيام الجديد ليكمل قتامة المشهد الفلسطيني، مزيداً من حبال الغسيل وأغراض المطبخ، ونسوة تجمعن على برميل مياه كبير لغسل الأواني والملابس، حمامات مشتركة للجميع من كلا الجنسين. وعلى الرغم من هذا استطاعت أم نبيل أن تبذل جهداً كبيراً لتحيل خيمتها إلى حد ما مكاناً صالحاً لبعض الأجواء حتى الرومانسية منها، حيث حاكت بعضاً من الأقمشة على محيط الخيمة من الداخل، ورتبت أدواتها المنزلية بشكل أنيق، وزرعت بعضاً من النعناع والريحان على باب الخيمة. وحول هذا تقول: أعمل هذا كي لا استسلم لمرارة الحياة التي فرضت علينا بعد أن أجبرنا على مغادرة بيوتنا التي هدمت فوق رؤوسنا، وتضيف: انعكس هذا على علاقتي بزوجي التي فترت لأسابيع طويلة أول ما جئنا هنا. كتم الصوت وفي مكان تكاد فيه كل سيدة أن تسمع أنفاس جارتها وصوت سعال الأطفال وشخير المسنين حتى أن إحداهن قالت لي: «يجب كتم فم الزوجة إن رغب زوجها في معاشرتها فهذا المكان مراقب دائماً». «كيف يمكن أن تشعر وأنت تبحث عن الماء لتقوم بالاغتسال بعد ليلة حميمة؟» هذا ما تساءلت عنه سماح وهي تروي على استحياء قصة مرة من المرات التي حاولت فيها تلبية طلبات زوجها المتكررة بأن تكون معه، في الوقت الذي أكدت فيه أنه في هذا المكان لا فراش يجمع الزوجين يمكنهما من الاستمرار في حياتهما الزوجية. غير أن سماح محظوظة مقارنة بسكان المخيم، حيث تقطن أختها في منطقة قريبة، وقد دعتها أكثر من مرة لأخذ حمام ساخن ينفض عنها غبار المكان والظروف معاً. إلا أنها ترفض ذلك وتعلل هذا بالقول: في كل مرة أذهب إلى هناك لأخذ حمام أشعر أن الجميع يعرف السبب الحقيقي لهذا الاغتسال، ربما لا يعرفون لكن هذا ما أشعر به، صمتت لبرهة ثم قالت هذه حياة لا تناسب حتى البهائم ثم تركتنا وغابت في زحمة المخيم. نشر الغسيل حتى الأغراض الشخصية أصبحت سراً من الأسرار العسكرية التي تخشى النساء من الاطلاع عليها. وكما هو الصندوق الأسود هناك صندوق داخل كل خيمة يعتبر سراً من الأسرار، حيث تحفظ فيه الحاجيات الخاصة من ملابس داخلية ومصاغ بعيداً عن أيادي المتطفلين، غير أن لونه يختلف بين الأزرق والرمادي والأبيض تم التبرع به لكل الأسر داخل المخيم لحفظ أغراضهم الشخصية. وتشير أم فادي إلى أنها تضطر إلى نشر غسيلها داخل الخيمة في بعض الأحيان خاصة إذا كان لملابس داخلية لا يجوز أن يراها العامة، ولطبيعة المكان فإن حبال الغسيل تصل بين كل خيمتين متجاورتين مما يعني أن الغسل أيضاً أصبح أمراً مشاعاً. زواج مع قف التنفيذ «زواج مع وقف التنفيذ هو التعريف المناسب لعلاقتنا» بهذه الكلمات. عبر محمود عن زواجه الجديد فهو حسب قوله لا يستطيع ممارسة حياته الطبيعية مع عروسه وهذا أكثر ما يضايقه في العيش في هذا المكان. ويضيف محمود: أقيم مع زوجتي في خيمة تجاورها كثير من خيام الغرباء، يسمعونني إذا هامست زوجتي، فما بالك لو رغبت في ممارسة متطلباتي الأساسية معها.