كل أمة يقع بينها وبين "القراءة" خصام هي أمة "معطلة" بالضرورة، لأن القراءة هي "شرط" للنهوض الحضاري والتقدم والرقي، ولذا كانت أول كلمة ربانية سمعها النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، في غار حراء "اقرأ"، وجاء بعدها ذكر "العلم" و"القلم".. (الذي علم بالقلم)، إشارة إلى قيمة القراءة وأهمية العلم. في التقرير الذي صدر عن منظمة اليونيسكو في 2003 خلص إلى نتائج مفزعة جداً حين تمت المقارنة بين قراءة الرجل العربي التي لا تتجاوز (6) دقائق في السنة، مقارنة بالرجل الأميركي والأوروبي الذي تجاوزت قراءته (12000) دقيقة في السنة، وهذا الفارق كبير وخطير في نفس الوقت، ويدل على قيمة "العلم" عندنا وعندهم، ويشير إلى معضلة تحتاج إلى علاج وحل. في "تويتر" كتبت تغريدة قلت فيها: (الفارق الحضاري بيننا وبين الغرب هو نفس الفارق بين معدل قراءة الرجل العربي "6 دقائق في السنة"، في مقابل "12 ألف دقيقة في السنة" للأميركي والأوروبي)، وقد شكك بعض المتابعين بهذه النتيجة وأظنه تشكيك المتفاجئ الذي لا يظن أننا بهذا القدر من السوء، ولكني أيقنت في الفترة الماضية أن هذه النسبة قد تكون كبيرة، فقد سألت كثيراً من الموظفين والمدرسين الجامعيين الذين مضى على تخرجهم أكثر من عشرين سنة: كم كتاباً قرأت منذ أن تخرجت من الجامعة؟ والجواب كان صادماً حين أفادوني بأنهم لم يقرأوا كتاباً واحداً طوال تلك المدة. وللأسف فإن المعادلة غريبة إذا علمنا أنه كلما تسهلت وسائل القراءة، عزف الناس عن القراءة، وخاصة إذا لم يدرك الجميع أهمية القراءة للأمم، وأن كل شخص في جسد الوطن مثل الخلية في جسد الإنسان تعمل منفردة في حركة دؤوبة داخلية، ولكنها في المقابل تنتج جسماً سليماً إن كانت سليمة، ويتضرر الجسد إذا تضررت، تماماً كما تفعل القراءة في الأمم إذا كانت سلوكاً لأبنائها. إننا بحاجة أن تهتم قطاعات التربية والتعليم بغرس حب "القراءة" في الجيل لتجعله سلوكاً طبيعياً لا غنى عنه، من خلال التحفيز والتربية وبيان القيمة، فنرى عندما من يحب القراءة كحب ابن الجوزي رحمه الله لها حين قال: (وإني أخبر عن حالي: ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابا لم أره فكأني وقعت على كنز، ولقد نظرت في بيت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية، فإذا به يحتوي على نحو 6000 كتاب، وفي ثبت كتب أبي حنيفة، وكتب الحميدي، وكتب شيخنا عبدالوهاب بن ناصر، وكتب أبي محمد الخشّاب وكانت أحمالا، وغير ذلك من كل كتاب أقدر عليه، ولو قلتُ أني طالعت 20000 مجلد، كان أكثر وأنا بعد في الطلب..). كيف يمكن لمسؤول تخرج قبل سنوات طويلة أن يحقق النهوض بمنشأته وهو لا يقرأ ولا يطور نفسه؟ كيف يمكن لمهندس أن يتواكب مع التغيرات الطارئة في مفاهيم العلم ووسائله وهو عازف عن القراءة؟ كيف يمكن للمعلم أن يطور طلابه وهو لم يطور قدراته وقراءاته والعناية بنفسه؟ وهكذا في كل مجال حيوي ووظيفي، ولذلك نجد أن المسؤول الناجح في النهاية هو المسؤول "القارئ" الذي يبحث عن الجديد في مجال عمله ومواكبة عصره، حتى لا تتكلس مفاهيمه على قيم قديمة، فبدلاً من الدفع بالناس إلى الإمام نجده يجرهم إلى مفاهيمه القديمة البالية التي أكل عليها الدهر وشرب.