لعل كلمة الملك عبدالله لسفراء الدول الغربية قد كشفت المشكلة وأوضحت مكامن الخلل حول ما وصل إليه التطرف في العالم. لقد بح صوتنا ونحن نقول للغرب نرجوكم العدل ثم العدل في النظر إلى قضايا المنطقة وأولها قضيتنا المركزية فلسطين. لكن العنجهية وسيطرة اللوبي اليهودي والاعتداد بالقوة أعمى أعين الغرب عن التصرف بعدل نحو قضايانا. فكان أن خرجت انتفاضات الفلسطينيين وأطفال الحجارة ثم القاعدة ثم ما يشهده العالم اليوم من خروج داعش. والله أعلم أين سيصل الأمر بعد ذلك. الشعور بالألم والقهر وعدم العدل أمر فظيع. يجعل المرء يضع كفه على راحه، هذا أمر يجب أن يفهمه الغرب. ويجب أن يفهم أيضاً أن الأمر سيخرج من أيدي العقلاء والمنصفين والمعتدلين، وسيصل الإرهاب إلى العالم كله كما عبر عن ذلك الملك عبدالله لسفراء الغرب بكل شفافية ووضوح. المتتبع لما يطبق من سياسات الغرب تجاه قضايانا سيصاب بالاستغراب، خصوصاً ما يعرف عن الغرب من أنهم دول قانون معروفة بالعدل والإنصاف وتطبيق العدالة. مناقشة هذه الأمور لم تعد ترفاً بل ضرورة. مصالحنا في عالم اليوم مشتركة وما نعاني منه في منطقتنا سوف يؤثر على جميع العالم في حال تفاقمت الأمور. منطق القوة والجبروت الذي نلمسه في سياسات الغرب ثبت أنه لم يعد مجدياً. كانت المشكلة الأزلية في عالمنا هي مشكلة فلسطين واتضح أن استمرارها وتفاقمها هو بسبب سياسات الغرب المتحيزة والداعمة للمحتل ومساعدته في الضرب بكل الأعراف والقوانين والقرارات عرض الحائط والاستمرار في ممارسة عدوانه. ومراكز السيطرة والنفوذ في هذه القضية التي تسبب الانحياز معروفة، والحل يكمن في أن يغير الغرب مواقفه من قضايا العالم ليطبق فيها العدل والإنصاف ويعطي كل ذي حق حقه، وإلا فإن النتيجة خروج دواعش تهدد الأمن والسلام في كل شبر من العالم. ولا يظن الغرب أنه بقوته وسيطرته على المؤسسات والمنظمات الدولية يستطيع أن ينجو من الإرهاب، والتاريخ يشهد بما وصل إليه العالم اليوم من وجود مناطق ملتهبة وجماعات متطرفة تمارس التقتيل بطرق وحشية ونجاح هذه الجماعات في السيطرة على مناطق وحصولها على أموال وأسلحة. ونؤكد للغرب أن الأمر لن يقف عند هذا الحد. ونسأل هنا سؤالاً كبيرا: أليس في الشواهد التي نشهدها هنا - والغرب يحب الشواهد ولا يقتنع بغيرها - على أرض الواقع ما يحمل الغرب على تغيير سياساته وحلحلة مواقفه المتحيزة؟ الحل أن يمارس الغرب سياسات عادلة تجاه الفريقين في المنطقة ويدفع بهذه السياسات بقوة، وإذا لم يتم ذلك فستبقى الأمور كما هي، الأمر في غاية الجدية والخطورة ولا بد من وضع آلية لعلاج أسباب هذا الاضطراب الذي يشهده عالمنا. لا بد من تطبيق سياسات عادلة من قبل الغرب تجاه قضايا العالم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. حل القضية الفلسطينية سيكون سبباً مفصلياًّ في المساعدة على الاستقرار، ليحول دون مزيد من التطورات التي نشهدها، ويعمل على عدم تفاقم الأمور ويجعل دول الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة ذات مصداقية فيما تقوله وتفعله. وقبل ذلك لا بد من حلحلة ما يجري بين القطبين الفلسطينيين أولاً ثم يتبعها اتخاذ سياسات محددة وحازمة وغير منحازة. إذا لم يتم العمل على الوصول إلى حل عاجل لهذه القضية الأزلية فستختلط الأوراق وسندخل في أزمات كثيرة ومتتابعة. الواضح من خلال استمرار الاضطرابات لهذه السنوات الطويلة أن السياسات المطبقة في هذه الأجزاء من عالمنا لم تثبت نجاحها، ومئات الآلاف من المسلمين يقتلون في هذه المناطق من العالم. إلى جانب قضية فلسطين دعونا نستعرض بعض التاريخ لسياسات الغرب. فسبب غزو العراق وجود أسلحة دمار شامل لم توجد، وتطبيق الديموقراطية لم يتحقق، وتقديم خدمات الصحة والتعليم والكهرباء لم يحدث. وفي أفغانستان ورغم مرور وقت طويل إلا أنه لم يتحقق الاستقرار والأمن وتقديم الخدمات. ولم يلمس المواطن في تلك البقع من العالم ما كان يتوقعه من عدالة وأمن وخدمات بل تدمير وتقتيل لعشرات الآلاف، وتستمر الاضطرابات ويستمر التقتيل وتستمر السياسات. إن بلدا يدعي الحرية والديموقراطية والعدالة يجب أن يعيد حساباته في "الحرب على الإرهاب"، إذ بسبب سياساته ازداد الإرهاب والشواهد على ذلك كثيرة. والمطلوب منه انتهاج وتكريس سياسات مبنية على الحوار وتكريس العدالة بدلاً من سياسات تزرع الكراهية والبغضاء. وفي بداية لاختلاط الأوراق وتفاقم الأزمات في منطقتنا حدثت الثورات في بعض الدول العربية مؤخرا. وقد ثبت من الأحداث أن أسباب ثورات الشعوب واضحة. فالبطالة والاستبداد وانعدام الحريات والفساد كانت المحرك الأساسي لهذه الثورات. وبعد كل أزمة نشهد تحولا في مواقف الغرب من حليف استراتيجي إلى موقف مضاد. فلماذا هذا التحول المفاجئ؟ أليس ذلك بالطبع انعدام رؤية. صحيح أن السبب فيما يجري في بعض بلدان العالم العربي اليوم بسبب البطالة وفقدان الحرية والشفافية وانتشار الفساد لكن اتخاذ سياسات تساعد تلك الدول على القضاء على مشكلاتها سوف يضمن الاستقرار، ويضمن الأمن وعدم تفاقم الأمور. سياسات الغرب لها دور فيما يحدث في عالمنا ولنا دور أيضا. والأفضل لكلا الطرفين إعادة الحسابات وإقرار سياسات عادلة تكرس القيم التي نؤمن بها جميعا. إن مناقشة هذه الأمور لم تعد ترفا بل ضرورة. مصالحنا في عالم اليوم مشتركة وما نعاني منه في منطقتنا سوف يؤثر على العالم في حال تصاعد العنف والتطرف. فهل حان الوقت كي تُنتهج سياسات قائمة على العدل واحترام الشعوب لمنع هذا التوتر والتطرف وما يولده من إرهاب؟ نقول للغرب بكل وضوح ما قاله الملك عبدالله: أنصفوا وإلا سيصلكم ما وصل إلى منطقتنا. أظن أن لدى الغرب من الذكاء ما يجعله يعي الدرس ويعمل بمقتضاه. نرجو ذلك من أجل عالم مستقر.