يلجأ كثير من مستخدمي الإنترنت إلى الأسماء المستعارة لإخفاء شخصياتهم الحقيقية، خاصة في التعليقات السياسية المعارضة لبعض أنظمة الحكم. لكن هذه الظاهرة لا ترتبط بالإنترنت وحده، فقد عَرَفَ الأدب العربي والنشاط السياسي أدباء وصحفيين اختاروا، لأسباب مختلفة، أسماء مستعارة لتوقيع كتاباتهم. ولعل الدكتورة عائشة عبدالرحمن، وهي أشهر كاتبة مصرية في العقود الأخيرة، خير مثال على أهمية الاسم المستعار الذي اختارته، وهو «بنت الشاطئ» الذي طغى على اسمها الحقيقي. وكان لي زميل عمل اسمه «عجاج» وهي مفردة لغوية عراقية تعني «الطوز» بالخليجي و«الخماسين» بالمصري. وكنا نسخر من اسمه الذي حاول التهرب منه فأطلق على ابنته البكر اسم «عاصفة»، فصار اسم المسكينة الذي يلاحقها طول عمرها هو «عاصفة عجاج»! ولحسن الحظ لم تحترف الكتابة أو الفن، وإلا كان عليها أن تبحث عن اسم مستعار لا علاقة له بالظواهر الطبيعية. وربما قرأ الجنرال الأمريكي نورمان شوارزكوف عن الصبية عاصفة عجاج فأطلق على حربه الشهيرة لقب عاصفة الصحراء. ومعظم الفنانات والفنانين المصريين، خاصة في عصر ازدهار الفنون قبل أكثر من نصف قرن، كانوا يلجأون إلى أسماء مستعارة لأسباب اجتماعية. فلا أحد يعرف النجمة المعتزلة فاطمة الزهراء حسين إلا إذا قلنا إن اسمها المستعار هو نجلاء فتحي. وقليلون يعرفون أن اسم نادية لطفي الحقيقي هو بولا شفيق. أما السيدة هنومة حبيب خليل فهي مديحة يسري. والاسم في جواز السفر هو شرويت مصطفى فهمي، ولكنه على أفيشات الأفلام ليلى طاهر. والمطربة المعتزلة شريفة فاضل هي فوقية محمود أحمد، والراقصة والممثلة الراحلة تحية كاريوكا هي بدوية محمد علي أبو العلا، وجانيت جرجس فغالي هي شحرورة الوادي صباح، وهدى سلطان هي بهيجة عبدالعال، وسناء جميل هي ثريا يوسف عطا لأن أهلها الصعايدة كانوا يعارضون اشتغالها في التمثيل، وماجدة هي عفاف علي كامل الصباحي، وشادية هي فاطمة أحمد كمال الدين شاكر، وبوسي زوجة نور الشريف هي صافيناز قدري، وبالمناسبة فإن نور الشريف هو الاسم الفني لمحمد جابر عبدالله! والأكثر شهرة في مجال الأسماء الفنية المستعارة «أم كلثوم» واسمها كما يعرف كثيرون هو فاطمة إبراهيم البلتاجي، وعبدالحليم حافظ واسمه الحقيقي عبدالحليم شبانه، ويسرا واسمها سهير محمد حافظ أحمد نسيم، وبرلنتي عبدالحميد هي نفيسة عبدالحميد حواس. والقائمة طويلة وتشمل فنانين من جيل شباب اليوم. ويلجأ صحفيون كثيرون إلى الأسماء المستعارة في توقيع بعض مقالاتهم، وكان الصحفي المصري مصطفى أمين يوقع مقالاته وقصصه المهربة من السجن في الستينيات من القرن الماضي بإمضاء «مستر X». وأول مقال لي نشر في عام 1961 في أهم جريدة عراقية آنذاك هي «الأخبار» كان بتوقيع «أبو ليلى» وكان عمري 18 عاماً. واضطررت بعد ستة أعوام من ذلك التاريخ إلى الاختفاء مجدداً خلف اسم مستعار جديد هو «ابن الضاد» بعد قرار إداري بإبعادي من بغداد إلى مدينة أبو الخصيب في أقصى جنوبي العراق بسبب مقالاتي. ولكن «أنا مين» إزاء الشاعر العظيم المتنبي، واسمه الحقيقي أحمد بن الحسين بن عبدالصمد أبو الطيب الجعفي الكندي. وفي عصرنا هناك الشاعر اللبناني الأخطل الصغير، واسمه الحقيقي بشارة عبد الله الخوري صاحب قصيدة: «جفنه عَلّمَ الغزل/ ومن العلم ما قتل/ فحرقنا نفوسنا في جحيم من القُبل» التي غناها الموسيقار محمد عبدالوهاب. وكان الشاعر السوري محمد سلمان الأحمد يختبئ خلف لقب «بدوي الجبل». إلا أن أغرب قصص الاستعارات هو ما فعلته الأديبة الفرنسية في القرن الثامن عشر أورور أرما ندين دوبان التي تخلت عن أنوثتها واختارت اسماً ذكورياً مستعاراً صار أيقونة الأدب الفرنسي وهو جورج ساند! ومِثل المتنبي الشاعر العراقي العباسي أبو العتاهية، فهو إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني. أما لقب «أبو العتاهية» فالتصق به لما عرف عنه في شبابه من مجون ولهو. لكنه تاب وانصرف عن ملذات الدنيا والحياة إلى أن سجنه الخليفة هارون الرشيد ثم أحضره إليه وهدده بالقتل إن لم يقل الشعر.. فعاد إلى نظمه! ومثلهما الشاعر الأموي العراقي أيضاً الفرزدق، فهو همام بن غالب من مواليد البصرة وكان شاعراً مُجيداً ومنافقاً معاً! فهو يمدح الأمير اليوم ليهجوه في يوم آخر! لكن ألقاب هؤلاء الشعراء اقترنت بشعرهم وليس بهروبهم من «البوليس»! لماذا نذهب بعيداً في التاريخ؟ فالممثل الراحل سعيد صالح اشتهر بلقب مرسي الزناتي، وسمير غانم اشتهر بلقب فطوطة، ونوري المالكي رئيس وزراء العراق السابق كان يوقع قراراته القرقوشية بلقب دولة القانون.