أثار إعلان شركة "روزنفت" عملاق النفط الروسي بتحقيق اكتشافات ضخمة من النفط والغاز في المنطقة المعروفة باسم بحر كارا في القطب الشمالي، أثار الكثير من علامات الاستفهام والتساؤلات. فبيان الشركة الروسية يشير إلى أن النتائج الأولية لعمليات التنقيب والحفر كشفت عن مخزون يقدر بـ338 مليار متر مكعب من الغاز ونحو730 مليون برميل من النفط الخام، وهي تقديرات في حالة التأكد من صحتها يمكن أن تحدث تغييرات ملحوظة في سوق الطاقة العالمي، إلا أن عددا من خبراء النفط الدوليين المختصين تعتريهم شكوك حول دقة الاكتشافات الروسية المعلنة. وأشار "سي إيه رجبي" خبير النفط في شركة "شل" لـ"الاقتصادية"، إلى أننا لا نستطيع أن نؤكد أو ننفي إعلان الشركة الروسية، فلا يوجد مصدر مستقل يمكن الاعتماد عليه للتأكد من صحة ودقة تلك التقديرات، لكن الملاحظ تقنيا أنهم أعلنوا النتيجة معتمدين على نتيجة بئر واحد فقط من منطقة شاسعة، ولا شك أنه يجب أن يأخذوا تقديرات باقي الآبار في الاعتبار للحصول على نتائج علمية دقيقة، وأعتقد أن عليهم تكرار الأمر العام المقبل. وكان توقيت إعلان الجانب الروسي لتلك الاكتشافات، قد أثار تكهنات حول مدى دقتها ومصداقيتها، فقد جاءت تلك الأنباء بعد أيام قليلة من فرض واشنطن مجموعة جديدة من العقوبات ضد موسكو، بسبب الأزمة الأوكرانية. وبموجب الحزمة الأمريكية الجديدة من العقوبات فإن على المواطنين أو"الكيانات" – وهو تعبير يطال الشركات والمؤسسات الأمريكية- تقليص مشاريعه مع روسيا وخاصة التي تعمل على تطوير احتياطات النفط في المياه العميقة والقطب الشمالي وكذلك في مجال النفط والغاز الصخريين. وأوضح الدكتور توم ستومان أستاذ الطاقة في جامعة برمنجهام لـ "الاقتصادية"، أن الحقل الذي أعلنت شركة روزنفت الروسية عن اكتشاف تلك الاحتياطات الضخمة فيه، هو بالأساس حقل مشترك مع شركة إكسون موبيل الأمريكية، وقد تحملت الشركة الأمريكية الضغط المالي الناجم عن الحزمة الأولى من العقوبات على روسيا، فهذه الحزمة كانت ذات صبغة مالية، أما الحزمة الثانية من العقوبات فكان المستهدف منها قطع التعاون بين إكسون موبيل وروزنفت، ومنطق الإدارة الأمريكية في ذلك أن "إكسون موبيل" لديها التكنولوجيا التي تحتاجها موسكو لتعزيز عمليات البحث والتنقيب فيه القطب الشمالي وسيبريا. وأضاف "توم ستومان" أن العديد من الدراسات تشير إلى أن احتياطات ضخمة من النفط والغاز في المنطقة، ولكن موسكو لا تستطيع استغلالها بمفردها، فهي في حاجة لتكنولوجيا متطورة للغاية ومكلفة أيضا للوصول إلى ذلك المخزون، خاصة أن تكاليف الحقل الروسي تبلغ 700 مليون دولار. والمؤكد أن الحقل غني بالغاز والنفط، لكن لا أحد يعلم على وجه الدقة حجم المخزون، إضافة إلى أن الشركة الأمريكية انسحبت في وقت حرج للغاية، فعمليات التنقيب كانت قد وصلت فقط إلى مخزون الغاز الطبيعي في البئر، وهناك شكوك حول قدرة الروس على الوصول إلى تقديرات لمخزون النفط بعد أيام معدودة من انسحاب الجانب الأمريكي. ومع هذا فإن الجانب الروسي يبدو طموحا للغاية بشأن الاكتشافات المستقبلية للغاز والنفط في منطقة القطب الشمالي، يحركه في ذلك المخزون الضخم في حقول نفط المنطقة. وصرح "إيجور ساشين" المدير التنفيذي لشركة روزنفت لصحيفة ديرشبيجل الألمانية بأن الشركة يمكنها استثمار400 مليار دولار في منطقة القطب الشمالي خلال الـ15 عاما المقبلة، متوقعا فتح منطقة نفطية هناك، فالاحتياطات المتاحة يمكن مقارنتها مع احتياطات السعودية. إلا أن بعض الخبراء الاقتصاديين يشككون في تلك التصريحات والقدرة المالية لروسيا للقيام بتلك الاستثمارات، وقال لـ"الاقتصادية"، الدكتور "ديفيد سويت" الباحث في المعهد الدولي للاقتصاد، إن روزنفت أحد عملاقة إنتاج النفط عالميا، فمن حيث القيمة هي أكبر منتج للنفط متداول على المستوى الدولي، لكن قيمة الديون واجبة السداد عليها هذا العام والعام المقبل تقدر بـ27 مليار دولار. وأشار سويت إلى أن العقوبات المالية المفروضة على روسيا وعلى الشركة تحول دون اقتراضها من أسواق رأس المال الأوروبية والأمريكية لفترات تزيد عن 90 يوما، وهذا يعني سعر فائدة مرتفع، ولهذا طلب مجلس إدارة الشركة قرضا من الحكومة الروسية بنحو42 مليار دولار، ولا أعلم كيف يمكن للشركة أن توفر 400 مليار دولار للاستثمار خلال 15 عاما في ظل العقوبات الدولية الراهنة، فإجمالي ارباحها يقارب الـ13 مليار دولار شريطة أن تكون قادرة على سداد ما عليها من ديون. ومع هذا فإن البعض يدعو للأخذ في الحسبان إمكانية أن تكون التقديرات الروسية صائبة ودقيقة، وهو ما قد يعني بروز عملاق نفطي جديد، ويشير هؤلاء إلى أن شركة إكسون موبيل لم تكن تقبل باستثمار 3.2 مليار دولار مشاركة مع شركة روزنفت الروسية، للتنقيب عن النفط في القطب الشمالي والبحر الأسود ومنح الشركة الروسية موطئ قدم في نفط خليج المكسيك لأنها لم تكن على يقين من ضخامة احتياطات النفط والغاز المتوقعة في القطب الشمالي. ويعني هذا أنه إذا ما صحت الأنباء القادمة من روسيا بشأن الاحتياطات التي رصدت في منطقة بحر كارا بالقطب الشمالي، فإن "إكسون موبيل" تكون قد تعرضت للطمة قاسية، ليس على يد خصومها ولكن على يد أصدقائها في البيت الأبيض.