×
محافظة المنطقة الشرقية

داعش يرفع رايته على «كوباني» والأكراد ينفون سقوط مدينتهم

صورة الخبر

يفد العدد الكبير والكبير جداً من الحجاج إلى الديار المقدسة، مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر في منى وعرفة والمزدلفة، وغيرها من الأمكنة التي تحتضن ذاكرة النبوة. يتنقلون بين هذه البقاع الطاهرة، يؤدون نسك حجهم، ويستمتعون بالخدمات التي توفرها الدولة لهم، عبر أجهزتها الحكومية المتعددة. والحق أنها جهود عظيمة، وخدمات تتطور بشكل كبير ملحوظ، ونحن نقدر طبيعة الخدمات التي تقدم لمجموعة كثيفة من البشر في وقت واحد ومكان واحد، ولطبائع بشرية وثقافات ومذاهب متعددة ومتنوعة. ومع ذلك فإنني من خلال عنوان هذه المقالة أطرح سؤالاً مفتوحاً تستدعي الإجابة عليه تصوراً واسعاً، لا يتوقف عند حدود التفسير أو التبرير، بقدر ما يقصد إلى حركة التغيير والتطوير. وإذا كانت الخدمات التي تقدم للحاج يتم استهلاكها في المكان ولا ترتحل معه. فإن من المهم أن نلقي الضوء على المخرجات التي ترافق الحاج في رحلة عودته وتبقى معه في ذاكرته عن المكان وطقوسه، والإنسان وأخلاقه. ومن أبرز وأهم ذلك الانطباع الاجتماعي عن الإنسان، أياً كان دوره وتعاملاته، وعن مكوناته الثقافية، وقدرة المكون الثقافي لديه على الحوار والمثاقفة، والدخول إلى عوالم الآخر مع وجود الاختلاف والتنوع. ولنا أن نتساءل: كم بين وفود الحجيج من العلماء والمفكرين وأصحاب التجارب وصناع التأثير في الحضارة البشرية. وكيف يتم اللقاء بهم والإفادة منهم. إن هؤلاء سفراء الحقيقة، الذين يحملون في ذاكرتهم ما نثاقفهم حوله، وتستدعي المصلحة الاشتراك فيه. وإذا كانت لقاءات تتم مع نخب معينة فإن توسيع أفق الحوار والحضور والمشاركة مطلب مهم، ولا بد من تأسيس جمعية تعاونية لهذا الغرض، ولاسيما وكثافة الحجاج بازدياد والعمرة باتت بأعداد كبيرة على مدار العام، تعنى هذه الجمعية بالتواصل مع ضيوف الحرمين، وتنقل إليهم وعنهم محاور الثقافة المشتركة والمختلفة. ومن أهم المهمات التي يجب أن يعود فيها الحاج بعد رحلته المقدسة، تغيير النمطية المنطبعة عن مفهوم التدين لدينا، وأنه قائم على التشدد والتنطع. ولن يكون ذلك جيداً حتى يكون كذلك على الحقيقة وفي الواقع، وهذا ما يستدعي جهوداً مكثفة لرسم إستراتيجية الخطاب الديني المنبثق من جماليات الخطاب القرآني العظيم، ومن جماليات الخطاب النبوي القولي والفعلي. والجرأة على التغير والتحول والتراجع عن أي خطاب عنيف، صدر من خلال بيانات أو فتاوى أو أحكام، كانت رهينة ظرف أو لأي سبب كان. المهم هو مرحلة الوعي الجديد الذي نعيشه. إن الحاج الذي يعود إلى دياره حاملاً معه روح التدين اللطيف والقول الجميل، والابتسامة الصادقة من مرشد أو مفتٍ أو خطيب. سيعيد تشكيل انطباع جديد عن التدين هنا. والأمر كما قلت يستدعي خطة إستراتيجية، لا يغيب عنها المفتون والحكماء وأساتذة الدين والاجتماع وخبراء الإعلام. ولتكن تحت مسؤولية وزارة الحج، التي تعقد مشكورة ندوة الحج الكبرى كل عام، ليتحول مشروع الندوة إلى فكرة أكبر وأوسع وأعمق. وهذا ما يقودني إلى محور أخير، حول ما يجب الاهتمام به مما يعود به الحاج. وجانب الوعي الروحي من خلال أمور عدة، منها تركيز الخطاب على وجدانيات الحاج، بدل التركيز على مجرد الأحكام، ولاسيما وغالبية حملات الحج يوجد معها مفتون من ديارهم وبمذاهبهم الفقهية، وهو ما يعني أنهم في حال امتلاء فقهي، وأن أي إدخال فقهي جديد عليهم قد يسبب توتراً في الفهم بين المذاهب الفقهية. أما الخطاب الوجداني، فإنه سيكون صاحب القبول لدى الجميع، باعتباره خطاب القلب ودليله إلى الله -جل في عُلاه-. ليتوافق ذلك مع حكمة الحج في تعظيم شعائر الله، وتتناغم الشعائر مع المشاعر لدى الحاج في ذاكرته الوجدانية. وفي الذاكرة الروحية للمكان، الذي يجب أن يكون له دور قوي في رحلة الحج. وهو ما يجعل للهيئة العامة للسياحة دوراً مركزياً في هذا الموسم، من خلال السياحة الدينية. وبالعموم فإن عودة الحاج إلى بلده، وهو يحمل انطباعات روحية ونفسية وفكرية عن المكان وأهله، من أقوى المكاسب الوطنية التي يجب الحرص عليها والعناية بها. والحديث ذو شجون، يتجاوز الكلمات، وتستوعبه القلوب المفتوحة بجمال اللحظة المقدسة.