قالت السبورة المثقوبة لتلاميذ غزة عندما عادوا ليحصوا نبض مقاعدهم الدراسية عقب القصف الإسرائيلي: «لقد مرت القذيفة من هنا»، مرت وسط حروف دروس التاريخ والجغرافيا، وعلامات الضرب والقسمة في درس الحساب، وسط ما كتبتم في وسط اللوح عن أمنيات اللوز الأخضر، الذي كان يواسي مقاعدكم الدراسية التي ضمتكم خلال أيام الحرب، واقتسمت معكم أخشابها، وتشققاتها، ومواجعها، وفصولكم الدراسية. فاكتبوا ما شئتم على ما تبقى من بقايا اللوح المشطور إلى وجعين، بينهما حلم بقمر مكتمل في ليلة معتمة بلا كهرباء، فلا يزال هناك مكان لكتابة عناوين الوطن، وحكايات القنابل التي زارت منازلكم، وحولتها إلى ركام، وعن شجون شهدائكم الذين تمنوا أن يشهدوا حفل تخرجكم وهم يصورون لحظات النجاح. لن نسألكم اليوم عن زيكم الرسمي، ولا عن الحقيبة المدرسية، ولا عن الأقلام والأوراق الثبوتية، لأننا نعرف أنكم جئتم من تحت الركام لتقرأوا سورة «القلم». ولن نسألكم في حصة التعبير عن العطلة الصيفية، ولا عن العيد الذي لم ترتدوا ملابسه، سنترك لكم فرصة استعادة هيبة نشيدكم الوطني في الصباح، وإلقاء قصائدكم في رثاء من غابوا في منازلكم وشوارعكم ومدارسكم، وفي حصص التعبير سيكون هناك سطور كثيرة تحكون فيها عن مواجعكم، عن القذائف التي اغتالت وجبة إفطاركم الصباحية، وما تبقى من خبزكم وقوت الفقراء. وإلى الذين غابت مدارسهم عن الخريطة التعليمية، وجاءوا ليشاركونا زحام مقاعدنا المدرسية، سنقول لهم: إننا سنتقاسم المقعد بيننا، وطاولاتنا، وكتبنا المدرسية، حتى لو افترشنا الأرض، فلا يزال الحرف يلمع كنجمة بين سطورنا، ينبض كلحن حياة في وجداننا، وما عدنا نخاف أن نكسر أشواك الحياة برغم أناملنا البريئة. فلنقرأ الفاتحة على أرواح من غاب عنهم درسنا اليومي، وتركوا مقاعدهم مجبرين، ولنزرع شجرة في طريق عودتنا من المدرسة، لنواسي الطريق الذي أغرقه الركام، وقد يظل نصف طلاب المدرسة في ضيافة فصولنا الدراسية التي آوتهم بعد اختفاء منازلهم من خريطة الشوارع في غزة، فنقلوا أغطية الليل، وما تبقى من أوان منزلية إلى هذه الازدواجية في اقتسام التعليم والسكن في المدرسة، ولا تسألوا من بقيَ من آبائكم وأمهاتكم عن تكرار سيناريو الحرب، وهدم البيوت، والتماعات الفزع في عيونهم وهم يخبئونكم من صوت الوجع الفولاذي، ويهربون بكم إلى قاعة الدرس، لا تسألوهم عن ألعاب الأعياد، وثياب المدرسة، ولا عن بيت جيرانكم الذي أضحى بلا جيران، ولا عن غصات الجواب على شفة جدران الفصل الذي استنطقه الرصاص. لقد مرَّت كل المرثيات من هنا، من هذا الثقب المستدير في وسط اللوح المكسور، عبرت الحكايات من فوهة هذا الوطن الذي يقطف لكم اليوم ثمرة حزن طرية سقاها البكاء، فاستعيدوا سطوركم البيضاء، وطباشيركم الملونة، وضعوا نقطة في آخر السطر، وحرفاً جديداً بين مقاعدكم المكتظة، وإصراراً على إكمال مسيرة الحرف في كتاتيب غزة وممرات مدارسها. وحاولوا أن تقنعوا العالم بأنكم أطفال، وأنكم تشعرون وتبكون وتتألمون وتفزعون وتغرقون في البكاء عندما تسربت من بين أيديكم أحلام الحياة. اكتبوا للعالم شهادتكم، لتعبر من هذا الثقب / النفق / الألم، وسيمُّر حلمكم من هذا الممر الضيق إلى العالم.