يحق لنا أن نفاخر بأننا الدولة الوحيدة في العالم الأكثر خبرة في إدارة الحشود، فلم تعرف الإنسانية تجمعاً يُماثل ما يحدث الآن في المشاعر المقدسة، بكل هذه الأعداد المهولة من البشر، والظروف التي يتطلبها تحرك هذه الحشود وفق (سيناريو إسلامي) لأماكن محددة، في أزمنة محددة، ونحمد الله أنه في كل عام تخرج السعودية من هذا المحفل وهي أكثر ثقة بقدراتها، وقدرات أبنائها المُخلصين!. لا يمكن مقارنة النجاح السعودي في الحج كل عام، بما تحققه دول أخرى في إدارة مناسبات أو استقبال سياح أو مشجعي كرة قدم، فالاختلاف الثقافي والتعليمي والقدرة المادية لدى الكثير من هؤلاء السياح، يختلف تماماً عما يحدث في مواسم الحج، فالمشاعر المقدسة تستقبل كل من يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، حتى لو كانت هذه هي (الرحلة الأولى) له في حياته خارج مزرعته أو قريته، من الحجاج من لم يُشاهد الطائرة أو يركب السيارة أو القطار في حياته؟ مما يجعل التعامل مع مثل هؤلاء - المُتجددين سنوياً - يحتاج إلى مهنية وحرفية عالية، نشاهدها ونلمسها اليوم في البقاع المقدسة!. لن نتحدث عن إدارة هذه الحشود من الناحية الأمنية، فقدرات رجال الأمن مشهودة وملموسة، ولا من ناحية البنية التحتية والصحية، فقد تحولت هذه الشعاب والأودية إلى مدن عصرية خاصة (تكاد تكون الوحيدة في العالم) التي تُبنى لتُسكن 3 أيام فقط بكل هذه التجهيزات والإمكانات الصحية والخدمية العالية.. الخ مما توفره المملكة لضيوف الرحمن، لنتحدث عن دورنا (كمواطنين سعوديين) في الحج؟!. أعتقد أن تعاملنا، وحديثنا مع ضيوف الرحمن بمجرد وصولهم إلى المملكة، هو أكبر رسالة ثقافية يمكن أن يحملوها ويعودوا بها إلى بلدانهم من بلد (خادم الحرمين الشريفين)، ولعل (الشيخ السديس) اختصر الأمر بخبرته، عندما طالب موظفي رئاسة الحرمين الشريفين (باللين والبشاشة) عند التعامل مع الحجيج ضمن فعالية (خدمة الزائر وسام فخر لنا)!. هذا الأمر لا يخص المتعاملين والمتماسين مع الحجيج مباشرة، بل هو واجب كل (سعودي) يمر به الحاج من موظفي المطار، والجوازات، وأصحاب سيارات الأجرة، والبائعين في المحلات التجارية، وحتى من يحج من (السعوديين) جنباً إلى جنب مع بقية الحجاج، لنشعرهم أننا كلنا سواء، أمام رب عادل، على صعيد واحد!. فكل ما تقدمه الدولة من خدمات، وجهود جبارة لضيوف الرحمن، لا معنى له مع (تكشيرة موظف) أو (تعبيسة مواطن) في غير محلها؟!. وعلى دروب الخير نلتقي.