منذ بدأت الحرب الأهلية السورية انعكست سلباً وفي شكل مباشر على حياة العراقيين وواقعهم الأمني، على عكس التوقعات. دعوني أسأل أولاً وعدّوني متعصباً إلى حد التطرف لعراقيتي - وأفتخر بذلك - وليقل عني بعضهم ما يقول. أتساءل: لماذا تتضرر بغداد في شكل مباشر عندما تهم الولايات المتحدة بقصف دمشق؟ ولماذا عندما حوصرت طهران وضيق الخناق الاقتصادي عليها تأثر الاقتصاد العراقي في شكل سلبي أيضاً واستحدثت لدينا عشرات المصارف المريبة والمختصة بشفط دولاراتنا؟ ولماذا عندما يجوع الأردن يجوع العراق؟ وعندما يتظاهر الناس في اسطنبول والبحرين والسعودية وعُمان والكويت ويتزعزع صفو الأمن والأمان في الإمارات وقطر يتضاعف انتقام الإرهابيين بحق العراقيين المساكين؟ ورب قائل إنها الأخوة العربية الإسلامية، ولا بد للعراق أن يتأثر بمحيطه. قد يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما، لكنني أعود إلى التساؤلات مجدداً وأوضح أن العلاقة بين العراق وجيرانه تتجلى في المثل الشعبي القائل «بخيرهم ما خيروني وبشرهم عمو عليه». فكم من مرة انهالت الصواريخ على بغداد في عقد التسعينات ومطلع الألفية الثانية خلال عهد الرؤساء بوش الأب ثم كلينتون ثم بوش الابن؟ وفرضت منطقة حظر جوي في الجنوب والشمال؟ فهل تأثر أحد من دول الجوار الإسلامي؟ هل رف جفن للعرب العاربة والمستعربة؟ ثم كم سنة حُوصر العراقيون حصاراً لا مثيل له حتى صار الناس «يلوكون الصخر خبزاً»، على رأي كاظم الساهر؟ هل تأذى من حصارنا غيرنا؟ بل على العكس من ذلك، فإن الآخرين حصدوا فوائد ما بعدها فوائد، فقد وجدت البضائع السورية والإيرانية والتركية والأردنية آنذاك سوقاً لا حد لها في العراق، وباعونا أسمالهم وغث طعامهم وبنوا بفلوسنا مدناً ومقاطعات، وأنشأوا مصارف ومتاجر، واستحصل الأردنيون على استثناء خاص من الحصار، وحصلوا على نفطنا مقابل أسعار مخفضة. ثم جاءت مرحلة الاحتلال الأميركي - البريطاني وإسقاط النظام، وشمر الإخوة العرب والمسلمون عن سواعدهم مرة أخرى، لا لمساعدة العراق في محنته ودعم مساعيه كي يعود إلى الحياة مجدداً، بل أصبحت البلاد مرتعاً لأجهزتهم الاستخباراتية، وشكلوا اللوبي الكبير لتجنيد الإرهابيين وتدريبهم وتسليحهم، وسرقة خيرات العراق. نقول لسياسيينا ليس أمامكم اليوم سوى لملمة البيت العراقي ككل لأن التيار المدني الوطني الجديد أخذ يتنامى وسيجرفكم إن لم تتداركوا الموقف. دعوا الإخوة الجيران جانباً. عشر سنوات وعمليتكم السياسية تتخبط هنا وهناك، بل إنها تعقدت أكثر، ويتعسر على الجميع فهم اتجاهاتها. لقد أوصلتمونا إلى مرحلة فقدان الثقة بقدراتنا، فضلاً عن الثقة الضائعة بينكم، أنتم تتفقون على موائد الطعام وتختلفون على شاشات الفضائيات... كنا نأمل منكم أن تكونوا أنموذجاً في الإيثار والتضحية، لا أن تتهافتوا على الامتيازات، وتتـــسابقوا على ابتكار أساليب جديدة من المزايدات، لإظهار التأييد المطلق لتظاهرات «الرواتب التقاعدية» سعياً لإفراغها من محتواها وجعلها داعية انتخابية مجانية لكياناتكم السياسية. الوقت ينفد فمتى تفهمون اللعبة؟