تتساءل صحف أوروبا عن الأسباب التي تحمل شبانا وشابات من بلاد كألمانيا أو النمسا على السفر للقتال في بلاد الخلافة الداعشية. أي كيف يمكن لفتاة ذهبت إلى المدرسة في فيينا أن يجتذبها العمل حيث شاهدت كائنا مقنعا بالأسود يحز عنق بشري سافر بالأحمر. ذاكرتهم قصيرة، الزملاء الأوروبيون. نسوا جماعة «بادر ماينهوف» الألمانية و«الألوية الحمراء» الإيطالية في السبعينات، حيث رفع عدد غير قليل من السفاحين شعارات يسارية ساروا خلفها، وباسمها ارتكبوا السرقات والجرائم والهجمات المسلحة. وكان القاسم المشترك بين تلك الحركات انعدام السلوك الأخلاقي ورفع الانحلال إلى مستوى النضال. وانتشرت حركات مماثلة في أميركا اللاتينية، تشابهت في تصرفاتها، وتميزت بانضمام أبناء الأسر الغنية إليها. ولم تعش تلك العدميات طويلا. وانتهى قادتها منزوين في السجون يعلكون ندمهم وشيخوختهم. وانصرفت إحدى «بطلات» الألوية الحمراء إلى حياكة الصوف في السجن والتبرع بمنتجاتها إلى الجمعيات الخيرية. لا أعرف تفسيرا للنزعة الإجرامية. والأفضل – كما نقلت إليكم عن مارتن أميس – ألا نطرح الأسئلة. حاول باتريك سيل أن يجيب في كتابه «مسدس للإيجار» عن سؤال واحد: لماذا اكتفى «أبو نضال» باغتيال الفلسطينيين من رفاقه؟ تفتح القضايا الكبرى الأبواب، أو النوافذ، أمام الجميع. كاد يغمى على مدير بنك (أفلس فيما بعد) في لندن عندما وجد أمامه أبو نضال، المطلوب الأول في العالم، يراجعه في تفاصيل حسابه. مثل حياته الغامضة ما بين دمشق وبغداد وسرت. وزع العراق صورة لصبري البنا منتحرا بالرصاص المفضل لديه. لا أحد يطرح الأسئلة في هذه الحالات. الجميع يفضل أن ينسى لأن صاحب المسدس يأخذ معه أسراره وأسرار سواه. القادمون من أوروبا للاشتراك مع «داعش» في حز الأعناق وسبي النساء ومحاصرة القرى وتشريد الأطفال والنساء والعجزة في البراري والجبال، كان يفترض أن يتطوعوا في مئات المراكز التي أقيمت للعناية باللاجئين الهاربين من «داعش» وإخوانها. ويفترض أنهم عاشوا في مجتمعات وبيئة لا تحز فيها الأعناق باسم الله، ولا تخرب فيها الأوطان والدول باسم الدساتير، ولا تشرد فيها الشعوب باسم القانون ودولة القانون. هناك نزعات في البشر لا تفسير لها، فلا ضرورة نسأل أصحابها لماذا يجدون متعة في قطع الرؤوس أو تعذيب البشر أو تدمير الأمة. ودائما يعثرون على يافطة.