ظهر تنظيم "داعش" الارهابي على المشهد الإعلامي العالمي، فعكس بسلوكياته "الهمجية" وأفكاره "النتنة" صورة سلبية أُلصقَت ظلماً وزوراً في دين الإسلام وأهله، وكذلك في أبنائه والمنتسبين إليه. وعلى الرغم من بشاعة الصور وظلامية الأفكار التي يروج لها "الداعشيون" ومن سار على منهجهم، إلاّ أن الإسلام النقي الطاهر بريء مما يدعون إليه ويروجون له، فالإسلام دين محبة وتسامح جاء رحمةً للعالمين، لينقل الناس من الظلمات إلى النور. وقد سُر أعداء الإسلام والمسلمين ببروز هذه الجماعة الضالة، والتي وجدوا فيها دليلاً على أن الإرهاب متأصل في المسلمين ودينهم، ونسوا أو تناسوا أن المسلمين هم أكثر الناس تضرراً من الإرهاب قبل غيرهم من أهل الديانات الأخرى، بل تجاهلوا أن قادة المسلمين هم أكثر الناس تحذيراً من الإرهاب ومحاربةً له، بالكلمة والفكر تارةً وبالسلاح تارة أخرى. وسعت المملكة بكل ما لديها من جهد إلى محاربة الإرهاب والإرهابيين، بل والتحذير من الجماعات الخارجية الضالة التي تنتسب للإسلام ظلماً وبهتاناً والإسلام منها براء، مثل "داعش" وغيرها من جماعات الإرهاب، وقد كانت حكومة المملكة من أولى الحكومات في العالم التي أخذت مسألة محاربة الإرهاب بشكل جاد وصارم، بالفكر والمناصحة تارة، وبالحزم والسلاح متى ما لزم الأمر، وسعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- إلى ضرب الإرهاب وقطع جذوره وتحذير قادة العالم منه، كما كان واضحاً وصريحاً في التنديد بالإرهاب والدعوة إلى تجفيف منابعه ومحاصرة شروره، كما دعا أصحاب المذاهب والأديان الأخرى في حواره مع مختلف الأديان والحضارات إلى الوقوف صفاً واحداً ضد همجية الإرهاب؛ لأن شروره تستهدف الجميع بلا استثناء. إن المتابع اليوم يرى أن كل المذاهب والأديان يخرج منها جماعات وعصابات تجرم وتسيء، ولم يتجرأ أحد أن يأخذ هذا المذهب أو ذلك الدين بجريرة تلك العصابات، لكننا نرى أن وسائل الإعلام العالمية تربط الإرهاب بالإسلام بسبب جماعات الشر من "داعش" وغيرها، رغم أنه يرى محاربة المملكة لإرهابها، وتحالفها مع دول العالم للتخلص من هذا الداء، وإن في ربط الإرهاب بالإسلام ظلم كبير، فالإسلام دين الرحمة المهداة للبشر في كل زمان ومكان، ودين الدعوة بالكلمة والموعظة الحسنة، وما "داعش" إلاّ نبتة سوء تغذت على أفكار شيطانية لا علاقة للدين ولا للحكمة فيها، كذلك الإسلام دين نقي وطاهر وعظيم في وسطيته واعتداله، إلاّ أن هناك فرقا بين الذين يطبقون تعاليمه، فبعضهم يغلو ويتطرف، وبعضهم من يتساهل، ولكن يبقي الدين وسطاً وعلى الغرب أن يعوا ذلك جيداً، ولدينا شواهد كثيرة على ذلك، فالرئيس الأمريكي خلال زيارته الأخيرة أكد على أن "داعش" ليس من الإسلام. والمجتمع الغربي الذي بدأ ينضج في فكرته ورؤيته نابع من رسالة المملكة التى أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-، وأكد عليها، حيث كان يؤسس على فك ارتباط الاسلام عن الارهاب، ومارس هذا الدور بل دفع الأموال من أجل تحقيقه، كذلك طالب بتأسيس مركز دولي للإرهاب حتى يثبت هذه الحقيقة، ثم لو كان "داعش" من فلول الإسلام لما أرسلت المملكة أعز ابنائها لمواجهته، وبالتالي هذه الصورة تعكس أنها تريد أن تذيب ارتباط الإسلام عن الإرهاب، وعلى الغرب أن يعوا ذلك ولا يمارسوا علينا جلد الذات، فصورة الغرب عن داعش الارهاب، وليست على الإسلام الدين المعتدل. سلوك إرهابي وقال "حمود زياد العتيبي" -باحث في شؤون الجماعات المتطرفة-: إن وجود جماعات من المسلمين يمارسون الفكر المتطرف، الذي يجنح لممارسة الإرهاب والعمل الإرهابي الإجرامي، هو بالتأكيد تشويه حقيقي لصورة الإسلام في نظر المجتمعات الأخرى الغربية وغيرها، وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها، لكن كيف يمكن أن نوضح أننا ضد هذا السلوك الإرهابي، هذا يتطلب مقاطعة الفكر الذي يمارسه هؤلاء، وتوضيح الفكر الحقيقي الذي يمارسه الإسلام عبر التمثل بأخلاق وسلوك الإنسان، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو الدول، وأن تكون نظرتنا إلى المجتمعات الأخرى نظرة تنسجم مع القيم الحقيقية للإسلام والتى ترفض الاعتداء والتجاوز على حقوق الناس والمجتمعات، مُشدداً على ضرورة مراجعة خطابنا الديني الذي أفرز مثل هذة الجماعات، التى أصبحت أكثر ضرراً على الإسلام ممن هم خارج الإسلام، مبيناً أنه عند مراجعة نشوء جذور هذه الجماعات على المستوى الفكري أو الخطاب نكون خدمنا الإسلام عبر معالجة هذا الغلو وهذا التطرف لهذة الأفكار، التى أنتجت مثل هذه الجماعات وجعلتها عدواً أول للأسلام وهي من داخل الإسلام. مرحلة مستقبلية وأشار "العتيبي" إلى أن العلاج يحتاج الى جهد من مراكز بحوث وفقهية وعلمية للوصول الى صورة تنقي ما علق من تشويه للإسلام الحقيقي، ولا يمكن أن يزال بسهولة بواسطة خطابات أو محاضرات أو خطب انشائية، بل يجب أن يكون هناك عمل حقيقي لبحث الجذور التى أنشأت مثل هذه الخطابات المتطرفة، التى شوهت الصورة الحقيقية للإسلام، ذاكراً أنه يجب البحث عن تلك الجذور في خطابتنا الاجتماعية والثقافية التى أنتجت أفكارا متطرفة تبنتها تلك الجماعات لأهداف سياسية ثم وظفتها وحدث ضرر كبير لصورة الإسلام وصورة مجتمعاتنا. وأوضح أن محاولة الإصلاح والترميم يتطلب تأسيس مرحلة مستقبلية بعيدة عن التشوهات الهامشية في مجتمعاتنا، وهذا يحتم تأسيس مجتمعات نقية متسامحة على مستوى الفكر والسلوك، عبر تعزيز القيم الإنسانية التى يحض عليها الدين الإسلامي، مضيفاً أن قيم السلام والمحبة يجب أن تكون مسألة جوهرية على مستوى المناهج والخطاب الثقافي والاجتماعي والديني، بل يجب أن تكون ركيزة أساسية في خطابتنا المستقبلية، مُشدداً على أهمية تأسيس رؤية الفرد العقلاني، الذي يؤمن بالعلم والعقل وبالرؤية، مبيناً أنه عند تأسيس الإنسان على مثل هذه الأسس فلن يجنح الى حالات الإندفاع العاطفي خلف شعارات براقة تسيئ لموروثه وثقافته ودينه، مؤكداً على أن تأسيس هذا الجيل سيكون بمثابة الحصانة من الإنزلاق خلف تأثير الشعارات الطائفية التى تأخذ من القيم كشعار، ولكنها في الحقيقة تدنس مثل هذه القيم السامية. وعي مجتمع وأكد "د.فراس عالم" -كاتب- على أن الغرب لا تنقصه المعلومة ولا المعرفة في نوعية ما يجري في "داعش" والفكر الذي تحمله، بل ولا ينقصه أن يعرف أنها لا تمثل الإسلام؛ لأن لديهم مراكز دراسات كثيرة يعرفون من خلالها أدق التفاصيل عن التاريخ الإسلامي والتيارات في الإسلام والمذاهب والفرق، وحتى التفاصيل الدقيقة التى ربما لا يعرفها حتى المسلمون، مضيفاً أن ما يجرى من وسائل الإعلام من الربط ما بين فكرة الإسلام والإرهاب والمسلم الإرهابي والنظرة العامة للإسلام على هيئة رجل ملتحٍ متطرف ومتهجم يحمل في يده سيفاً يقطر دماً، هي بصراحة أسلوب مصلحي لبعض مراكز القوة وبعض وسائل الإعلام الغريبة التى يهمها أن يكون الربط بهذه الصورة النمطية السطحية؛ لتحقيق المصالح وابتزاز دول إسلامية بهذه الصورة الذهنية التى تتكون لدى الشعوب، مبيناً أن الغرب لا يحتاج نظرة توضيحية منّا بقدر ما يحتاج منتجا عمليا على الأرض على شكل منتج فكر أو وعي مجتمعي، أو إنتاج معرفي وثقافة عامة لدى الشعب الذي يختلط مع الغرب بشكل فعلي؛ لأن الغربيين لا يخضعون للشعارات والخطاب الإعلامي الموجه، وذلك لقوة خطابهم الإعلامي الذي ينافسنا بكثير، وما يحتاجونه هو تغير الصورة النمطية والذهنية عن الإسلام والمسلمين، ذاكراً أن العمل السياسي هو عمل واقعي يقنعهم بأن المسلمين ليسوا بالصورة التى تمثلها "داعش"، بل هم شعب متحضر يحترم الطرف الآخر وحقوق الآخرين وحقوق الإنسان بشكل عام، ولا يظلم لديهم ضعيف، مشيراً إلى أن الموضوع أكثر من مجرد صورة إعلامية تحتاج الى التغيير. إعلام نمطي وأوضح "د.عالم" أن الصورة النمطية لن تتغير بإعلام نمطي، متأسفاً أن إعلامنا مهما فعل لن يستطيع أن يصل إلى المواطن الغربي الأمريكي أو البريطاني، مبيناً أن ما يحتاجه إعلامنا هو تغير واقع المسلمين بشكل عام، حتى يقتنع الغربي أن المسلم إنسان منتج ويعمل، وليس إنسانا يمارس القتل والتطرف، ذاكراً أن ذلك يمكن تحقيقه من خلال برنامج الابتعاث، فالطلبة إذا اندمجوا ودخلوا في نسيج المجتمع الغربي، ودخلوا الفصول الدراسية، واحتكوا مع جيرانهم ومارسوا شعائرهم الدينية باعتدال، سيكون ذلك بمثابة رسل مضيئة للإعلام الغربي، مؤكداً على أننا إذا استطعنا تطوير أنفسنا ومؤسساتنا التعليمية والقضائية، وكذلك نظام تعاملنا مع المقيم الأجنبي سواء كان أجنبيا من دول فقيرة أو من دول أوروبية، فإن ذلك سيساهم في تغير الصورة السلبية، والذي سينتج عنها انتقاد الغرب من الطرح الساذج الذي دائماً يربط العمل الإرهابي بالمسلمين والإسلام. وأشار إلى أن الطلبة المبتعثين يمكن تشبيههم بالقوة الناعمة التي باستطاعتها تغيير كل الصور السلبية النمطية عن المسلمين، على أنهم أشخاص إرهابون، ذاكراً أن لدينا الكثير من الشواهد الناجحة من الطلبة الذين لم يبرزهم الاعلام الغربي الذي يبحث عن الإثارة، فالصحف والقنوات الصفراء لن تبحث عنهم، وإن أشارت إليهم سيكون موقعهم في الصفحات الداخلية؛ لأن هدفها سياسي وإثارة، متأسفاً على أنه عندما يرسل رسالة تهديد فسيكون الخبر الأول في نشرات الأخبار، مؤكداً على أن الذين استطاعوا تحقيق إنجازات علمية لافتة مثل الاكتشافات الطبية والهندسية هؤلاء هم الصورة الحقيقية الناصعة عن الإنسان المسلم. مدرسة سياسية وتحدث "د.فهد المليكي" -عضو هيئة التدريس بمعهد الدراسات الدبلوماسية والمشرف على التعاون الدولي بالمعهد- قائلاً: إن الدبلوماسية السعودية مدرسة سياسية للسلام، ودائماً المملكة في كل خطواتها وسياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية شعارها السلام العالمي، مضيفاً أنه أصبحت الرياض المستشار الدولي للقضايا الدولية، واستطاعت المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين بناء بيئة جديدة دولية دبلوماسية على مختلف الأصعدة والمجالات العربية والإسلامية، مما أكسبها التقدير والاحترام العالمي، خاصةً في صنع القرارات السياسية، مبيناً أن أساس العلاقات الدبلوماسية منبعها الأراضي المقدسة، فهي رسالة تحمل في معانيها وأهدافها السلم والعدل لجميع المجتمعات الدولية، وهي علاقات دبلوماسية عربية أصيلة مبنية على ثوابت ومرتكزات مدروسة علمياً وعملياً من جميع النواحي والمجالات السياسية والاجتماعية والعسكرية، مبيناً أنه استطاعت المملكة تقريب وجهات النظر ومعالجة الكثير من القضايا العربية والإسلامية، وكذلك دعم مسيرة السلام في الشرق الأوسط، ذاكراً أن العلاقات الدولية السعودية هدفها السلام العالمي، فهي تملك قوة سياسية ومؤثرة في صنع القرار السياسي؛ بسبب علاقتها الفريدة مع دول العالم، مما أعطاها فرصة المشاركة في صنع القرار السياسي الدولي، لافتاً إلى أنه في عام 2007م كان قرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- بإيجاد مركز عالمي يعمل على دراسة الارهاب العالمي الدولي. وأضاف أن المجتمع الغربي اكتشف مع أحداث 11 سبتمبر أنهم كانوا مخطئين في تحليلاتهم، واكتشفوا أن المملكة دولة سلام وليست مأوى للإرهاب والإرهابيين، مبيناً أن كلمة خادم الحرمين الأخيرة هي التى حركت العالم ضد الإرهاب، وما كلمة الرئيس الأمريكي عن "داعش" بأن ما يفعلونه ليس من أُسس الدين الإسلامي إلاّ دليل حقيقي على بطلان ارتباط الإسلام بالإرهاب، مشيراً إلى أن داعش اسم ارهابي دخل في القاموس العربي وليس له علاقة بالإسلام، ذاكراً أن المملكة عندما تشارك في محاربة الإرهاب بأبنائها الغالين تكشف للعالم بأن هذه المنظمة الإرهابية يجب أن نتكاتف من أجل لمحاربتها والقضاء عليها.