الصورة الأولى: "ينعطف بطائرته الحربية "إف 15" إلى اليمين بحدة ويعد حتى العشرة، ثم يقفز من الطائرة، وحينها سيهبط مظليا إلى منطقة الأمان". هكذا يصف النقيب طيار بندر بن سلطان، في تلك الفترة إحدى فقرات خطتهم التدريبية في مهمة سرية خاصة، في حال لو تعرضت طائرتهم إلى الإصابة، وكان ذلك أثناء حرب أكتوبر عام 1973. الصورة الثانية: قائد السرب 15 عام 1977 في قاعدة خميس مشيط الجوية يشدد كل صباح: "أنتم أكثر قيمة من كل هذه المعدات. لذا، عندما يعتريكم الشك، اقذفوا بأنفسكم خارج طائراتكم". الصورة الثالثة: مفاوضات وزارة الدفاع السعودية لشراء طائرات الـF-15 مرت بعدة مراحل، كان طلب السعودية لهذه الطائرة يعدّ تهديدا لأمن الابنة المدللة لأميركا "إسرائيل" ولا بد أن تمر المفاوضات بعدة مراحل من التغيرات والضغوطات حتى تنجح، وما زاد الأمر حدة أن السعودية طلبت أيضا برفقة الـF-15 أن يكون هناك نظام "الأواكس" "نظام الإنذار والسيطرة المتقدم والمتطور"، الذي كان في ذلك الوقت لا تملكه إسرائيل، مما صعب من مهمة السعودية في إنجاح صفقة شراء طائرات الـF-15. الصورة الرابعة: من مجلة "الأيكونومست" اللندنية عام 1977 وبعنوان عريض: "لدى السعوديين مبرر جيد للشعور بالتوتر. فهم يعيشون في جوار صعب، ويملكون أضخم احتياطي نفطي في العالم"، وكان كتعبير عن مفاوضات السعودية والتواصل المباشر والمتابعة المستمرة لشراء طائرات الـF-15، وسياستها في التعامل مع معارضة مجلس الشيوخ الأميركي للصفقة. الصورة الخامسة: "طرود بريدية تصل لأعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من كل مكان وبغزارة"؛ لأن تصويت مجلس الشيوخ هو النقطة الفاصلة بين إتمام عملية شراء الطائرات أو إجهاضها، فإنه كان من الحكمة أن تتجه السعودية إلى أسلوب كسب الأصوات في مجلس الشيوخ من خلال نقابة العمال، ولذلك تواصلت معها وبينت لها قيمة الصفقة الضخمة، وتأثير ذلك على توفير فرص العمل، وأنه سيكون شيئا إيجابيا لسوق العمل الأميركي في حال لو وافق مجلس الشيوخ على عملية البيع، وبمجرد إشعار السعودية لنقابات العمال الأميركية بذلك حتى بدأت حملات بريدية واسعة للضغط على ممثليهم في مجلس الشيوخ، وحقق ذلك نجاحا غير عادي. الصورة السادسة: "مجلس الشيوخ الأميركي بـ54 صوتا لصالح شراء السعودية للطائرات "إف 15" في مقابل 44 صوتا اعترضت على ذلك"، وكان في 16 مايو 1978 في اليوم التالي للذكرى الثلاثين لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. الصورة السابعة: عناوين بارزة لأغلب الصحف العالمية والعربية في نهاية ديسمبر من العام 2011: "السعودية تشترى صفقة طائرات "إف 16" من أميركا بقيمة 30 مليارا". العديد من العقبات التي واجهتها السعودية لشراء طائرات "إف 15" بقيمة 5 مليارات في العام 1978 فكيف بصفقة طائرات "إف 16" وبـ30 مليار دولار وفي عام 2011. أعتقد أن الأمر تطلب الكثير من التفاصيل الصعبة، التي قد لا يعرفها إلا الرجال الذين وقفوا خلفها؛ كي تحظى هذه الصفقة بتأييد مجلس الشيوخ الأميركي المنحاز دائما لمصالح إسرائيل. الصورة الثامنة وليست الأخيرة: "طيارون سعوديون ينفذون هجمات ضد تنظيم "داعش" في سورية". صورة في أمسية اليوم الوطني الـ84 للسعودية نشرتها وكالة الأنباء السعودية للطيارين المشاركين في قصف أهداف داخل منظمة "داعش" الإرهابية على الأراضي السورية. الصورة الأخيرة ليست كالمشاهد السينمائية تظهر الموقف البطولي وحسب، بل هي قصص نضال بدأت منذ عقود، الصورة الأخيرة التي تداولتها كل الصحف، وهي تحمل مشهدا لطيارين سعوديين يقف بينهم أحد أبناء ولي العهد، بعد عودتهم من قصف "داعش" سالمين رغم تهديدات بشار بالرد على أي تدخل عسكري، هي مجرد لقطة عابرة سبقتها الكثير من المفاوضات والتدريبات السرية والعلنية، وكذلك ما يسمونه بمحاكاة العملية المزمع تنفيذها، والتدرب عليها قبل فترة كافية من إجرائها على أرض الواقع. كل صورة إنجاز وطنية تصلنا يعتقد أغلبنا أنها مجرد لقطة ختامية لقصة نجاح، ونقوم بإحاطتها بهالة واسعة من الرومانسية واللون الوردي، وننسى أنها عبرت كثيرا من الأزقة الموحشة لتصل إلينا مزهوة بنفسها. صورة الطيارين السعوديين الذين قصفوا "داعش" لم تكن مجرد صورة، بل كانت سعادة تدق أبواب القلوب الخضراء، كانت أغنية في حنجرة الوطن، يقف لها بشموخ أبناء الجنوب وأهل الشمال، وكانت مصباحا يضيء كل الطرق من شرق الوطن حتى غربه، كانت حروف وفاء وصمود لا ينساها التاريخ، ورسالة واضحة لكل عدو ومتربص، بأن الطريق الوحيد إلى أرضنا هو من فوق دمائنا وأرواحنا الشهيدة.