قبل أن تصبح داعش كابوسا كانت تنظيما، وقبل أن تكون تنظيما كانت فكرا، وإذا كان إسقاط الكابوس لا يعني إسقاط التنظيم بالضرورة فإن القضاء على التنظيم لا يعني القضاء على الفكر الذي ولد من رحمه ذلك التنظيم وتنظيمات أخرى سبقته ورافقته وسوف تولد منه تنظيمات قادمة أشد تطرفا وقد برهنت التجربة أن كل تنظيم جديد هو تنظيم أكثر خطرا وأوسع انتشارا ومواجهته أكثر صعوبة. وإذا كانت الدعوة إلى ما بات يعرف بالوسطية تشكل حلا، فإن ذلك الحل هو حل توافقي يقوم على تنازل الأطراف المتطرفة عن مواقفها وقناعاتها من أجل التصالح مع بقية الأطراف حتى وإن كان ذلك التنازل ناتجا عن حب السلامة أو خوف العاقبة والاتعاظ بالمصير الذي انتهى إليه من تطرفوا فكفروا المجتمع ثم حاربوه سواء كانوا أفرادا أو تنظيمات أو نجحوا في تكوين دولة مؤقتة لهم. الدعوة إلى الوسطية تشكل حلا مؤقتا غير أنها لا تحول دون عودة انبثاق الفكر المتطرف حين يشعر أولئك المتطرفون في دواخلهم أن الفرصة قد سنحت لهم كي يخرجوا عن الوسطية ويعلنوا عن تطرفهم ومخططاتهم وأطماعهم. القضاء على التطرف يحتاج معرفة الآليات التي يعمل بموجبها التفكير لكي يصبح متطرفا؛ وذلك لا يمكن أن يتحقق إلا عبر أسلوب تربوي طويل المدى يغرس في الأجيال الطريقة التي يتعاملون بها مع النصوص التي يعمد المتكرفون إلى اقتطاعها من سياقاتها وعزلها عن ظروفها وملابساتها ثم يتخذون منها ذريعة لما يقومون به ودليلا على صحة ما يدعون إليه. وقبل أن يكون أسلوب التفكير درسا تربويا ينبغي أن يكون مهمة العلماء في إعادة قراءة تراثنا قراءة ناقدة فاحصة وفق معطيات عصره ومن ثم معالجته معالجة تمكننا من أن نربي أجيالا قادرة على أن تنتمي لعصرها وظروفه وملابساته في الوقت الذي تنتمي فيه لتراثها وقيمه. علينا أن نعيد قراءة ما يعتمد عليه المتطرفون كدليل يبيح لهم تطرفه ووضعه في ظروف عصره وملابسات ذلك العصر ومن ثم إعادة فهمه بناء على ذلك، كما ينبغي أن نكرس في أنفس النشء القيم التي تحض على الخير والحب والتسامح والإخاء وهي قيم مستمدة من تراثنا العظيم الذي لم يجد فيه المتطرفون إلا ما يغريهم بما يقدمون عليه.