تركي الدخيل يطل علينا موسم الحج، والذي يؤثر على مليار ونصف المليار في هذا الكوكب. هذه الشعيرة التي تجمع المسلمين كلهم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم يمكنها أن تكون مجالا لتصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة. ليس سرا أن المسلمين اليوم محل تهمة في العالم، ذلك أن الإرهاب والعنف والتطرف خرج من بلدانهم، وهم مسؤولون بمعنى أو بآخر عن هذه الظواهر، على الأقل لعدم قضائهم عليها أو تجفيف منابعها. ثمة مقاصد عظيمة في هذا الموسم، لو وعاها المسلم، لعلم أن الدين جاء للإنسان تطهيرا وتنظيفا، وجاء ليهذب وحشية النفس وجشعها وطمعها وكبرياءها وتعنتها، في الحج ثمة مقاصد كبرى لم تطرح بما يكفي. في الحج الفردانية، بحيث يكون الإنسان مسؤولا عن الشعائر التي يؤديها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، هذه الفردانية مقصد شرعي بوصفها مسؤولية الذات عن الفعل، وعدم مسؤولية الذات عن فعل الآخر. فيه أيضا الطهرانية، إذ يرجع الحاج كيوم ولدته أمه، ذلك أن أدران الحياة وتشعبها، وتلوث الإنسان بتصاريف المشاعر من حقد وارتكاس نفسي يجعله متضخما، حينها يكون الحج وموسمه ميدانا للاغتسال الذاتي والروحي والنفسي من كل التصاريف المزعجة. في الحج التسامح والسهولة، حيث «افعل ولا حرج» في زمن صارت فيه كل الحركات والسكنات محل حرج لدى كثير من الفقهاء، بينما النبي ــ عليه الصلاة والسلام ــ (لم) يسأل عن فعل كذا أو نسيان كذا إلا وقال: «افعل ولا حرج». في الحج المقصد النية، وليست فقط الحركات والأفعال، والقصد الروح، ولهذا فإن «الحج عرفة» حيث الروح تصعد دعاء وابتهالا وتطهرا، فالحج نية وقصد ودعاء بمعنى أساسي. الحج له صيغ عظيمة لا تتسع لها المساحة، لكن أردت أن ألفت إلى هذا الموسم بوصفه إمكانا لتصحيح الأفكار المتداولة حول الإسلام والمسلمين، بل وحول شعائر المسلمين.