نشر خبر قبل أيام في صحيفة بهذه الطريقة «ناشد أبناء المواطن (فلان) وزير الصحة وأهل الخير مساعدتهم على علاج والدهم من المرض الذي يهدد حياته، إذ يحتاج إلى زراعة كبد في أقرب وقت ممكن»، وقال ابنه: «تم تحويل والدي لمستشفى الملك فيصل التخصصي، وأفادونا بأنه يحتاج إلى فترة طويلة طويلة قبل أن يصله الرقم من أجل زراعة كبد، وأنه يحتاج إلى زراعة سريعة نظرا لصعوبة حالته الصحية». هذا الخبر يشبه الكثير من الأخبار التي تطالب وتناشد الوزير، وعادة تأتي ردود فعل القراء متعاطفة بسبب إنسانية الموقف، والعاطفة تتأثر وتنفعل لكنها غير قادرة على تحليل الموقف، فهل هذه القصة التي أججت عاطفتنا تحمل في طياتها الخير، أم أنها ترتكب الخطيئة بنوايا حسنة؟ دعوني أعيد القصة نفسها فأقول: «استطاع مواطن وبسبب الواسطة أن يقدم والده عن باقي من سجلوا قبله لزراعة كبد، والذين كانوا ينتظرون دورهم لحاجتهم لزراعة كبد». كيف ستقرأ القصة الآن، وهل ستؤجج العاطفة لدينا ونطالب ونناشد الوزير بأن يتدخل، أم سنثور غضبا لأن هذا الرجل أخذ دور من ينتظرون قبله، وسنطالب بتدخل السلطات للقبض عليه؟ أعرف أن هناك من يستغل منصبه وسلطته ويتلاعب ويسرق دور وحقوق الآخرين ليقدم عليهم قريبه، وقد لا أبالغ أن هذا الأمر يحدث في كل العالم، والاختلاف بنسبة استغلال المنصب المرتبط بقدرة اللوائح والأنظمة والرقابة على تقليل نسبة التلاعب، وبقدرة الشخص على كبت وقمع عاطفته تجاه والده أو قريبه إن كان مسؤولا، ولكن هل ما زالت رؤية القراء نفسها بعد إعادة صياغة القصة، والتركيز على أن هناك من ينتظر قبله زراعة كبد؟ بقي أن أقول: أتفهم غضب ابن المريض «شفاه الله»، الذي طالبني بوضع خبر والده على صفحتي بـ«تويتر»، فرفضت وقلت له سأشرح السبب بمقال، وربما لو كنت مكانه سأغضب مما كتب، فوالده يتألم، وألمه يضغط بقوة على عاطفته، وربما هذا المأزق الإنسان هو من يجعل تلاعب المسؤول بسبب مرض ومعاناة والده، أقل جرما ممن يستغل سلطته ليقبض الأموال من أجل التلاعب بدور المرضى فيقدم البعض مقابل مبلغ مالي. ولكن كلتا الحالتين تظل جريمة، وليس إحداها خطيئة لأنها تمت بالخفاء، والأخرى خيرا لأنها تلاعبت «بنوايا حسنة» على عاطفة القارئ.