إعلان عادي جدا، جهة حكومية تعلن عن حاجتها إلى ملء بعض الوظائف الشاغرة لديها، إعلان تقليدي ليس فيه ما يلفت النظر أو يستحق التوقف عنده، إلا لمن كان يبحث عن وظيفة. إذن، لِم وجدتني أقف عنده وأتابع سطوره سطرا سطرا؟! وما دام الإعلان عاديا لِم أحدثكم عنه الآن؟! أحدثكم عنه؛ لأنه بعث الابتسامة إلى وجهي فأردت أن يكون لكم نصيب منها، كان الإعلان الذي يغطي صفحة كاملة في الصحيفة اليومية يبحث عمن يقوم بعمل (ناسخ آلة)!! حين يقع بصرك على إعلان كهذا لا تملك سوى أن تبتسم، فهذا الإعلان قد يعيد إلى البعض تذكر صورة كانت قد طويت في ثنايا الأيام وقت أن كان للآلات الكاتبة مجدها وعزها، وقد يثير الدهشة والاستغراب لدى البعض الآخر من صغار الشباب الذين لم يسمعوا من قبل عن شيء اسمه (آلة كاتبة)، وبالفعل حين عرضت الإعلان على بعض الشباب من الناشئة الذين كانوا قريبا مني وسألتهم إن كان أحد منهم يرغب أن يعمل (ناسخ آلة)؟ فطالعتني العيون بدهشة واستغراب، ما معنى ذلك؟ ما المطلوب بالضبط؟ ما معنى هذا الكلام؟ تركتهم وتعمدت ألا أجيبهم، فودعوني وانصرفوا إلى شيخهم المعاصر قوقل يستشيرونه حول ما يقوله لهم عن ذلك الاختراع الغريب!! هل حقيقة أن تلك الجهة الحكومية ما زالت تعتمد على الآلة الناسخة في إنجاز أعمالها، ولذلك هي تبحث عمن يجيد النسخ على الآلة وباللغتين العربية والإنجليزية؟!! شخصيا، أستبعد أن يكون الأمر كذلك، فما أظنه أن الآلات الكاتبة باتت من الآثار الطريفة التي يعجبنا أن نحتفظ بها مرفوعة على رفوف متاحف الزمن الماضي، ليس إلا. إذن، ما معنى هذا الإعلان؟ هل يمكن أن يكون له معنى سوى أنه انفلت من ملفات الماضي واندس بين صفحات الحاضر في غفلة من العيون. وهو ما يكشف عن عدم وجود حملات تنظيف تزيل الغبار المتراكم من الماضي القديم، وعدم وجود عمليات جرد سنوية تقضي على التالف والمستهلك من بقايا الماضي المنصرم، فكان أن وجد هذا الإعلان القديم مكانا له يطل منه على الناس. وهو ــ بالتأكيد ــ ما لا يتلاءم مطلقا مع الثورة التطويرية التي تعيشها هذه الأيام بلادنا وأجهزتنا الحكومية!!.