حتى انطلاق عمليات التحالف الدولي ضد الإرهاب في سوريا، كان نظام الأسد ما يزال يؤكد حضوره وقوته في سياق تطورات القضية السورية، ليس من خلال استمرار وحشيته في قتل السوريين وتهجيرهم وتدمير بلدهم وممتلكاتهم فقط، وإنما عبر استمرار سياسته في تأكيد سيطرته السياسية والعسكرية على مناطق محدودة السكان والمساحة في البلاد، وعبر تكتيكات هدفها إعادة تأهيل النظام في المستويين الداخلي والخارجي، والعودة إلى حكم البلاد بذات الطريقة والأدوات، التي كرسها حكمه في السابق ولو بتعديلات طفيفة وغير جوهرية في شكل النظام. ولم تكن سياسات نظام الأسد السابقة معزولة عن دعم المعسكر الإقليمي الدولي المؤيد له، وخاصة روسيا وإيران والميليشيات اللبنانية والعراقية، التي تقاتل الشعب السوري إلى جانب قواته وأنصاره والذين أصابتهم كثير من الخسائر في ثلاث سنوات ونصف من الصراع، وقد عوض دعم الحلفاء النظام عن خسائره من جهة، وأبقاه قائما في ظل ضعف موقف المجتمع الدولي عن الذهاب إلى سياسة جدية في مواجهة جرائم النظام وارتكاباته السياسية والأخلاقية. لقد شكل قيام التحالف الدولي ضد الإرهاب، ثم انطلاق عملياته في سوريا، مقدمة لتحولات عميقة في طبيعة القضية السورية، والأبرز فيها يتصل بنظام الأسد في بنيته وسياساته وأدواته وعلاقاته، إضافة إلى تأثيرات أخرى تتعلق بحلفائه من الروس إلى الإيرانيين وصولا إلى الميليشيات التي تقاتل معه ومنها «حزب الله» اللبناني. إن الأثر الأول والمهم، فيما تركه بدء عمليات التحالف الدولي على نظام الأسد، يتمثل في تجاهل النظام وطروحاته، والإصرار على اعتباره خارج أي مستوى للمشاركة في الحرب الدولية على الإرهاب، إضافة إلى تأكيد عدم شرعيته من خلال القيام بعمليات متعددة الأهداف في تحليق الطيران والرصد والقيام بعمليات قصف جوي وصاروخي لأهداف تتعلق بمواقع الجماعات الإرهابية، ولم تتمخض تصريحات مسؤولي النظام بمستوياته المتعددة، التي بدأت من التحذير من تلك العمليات بما يعني إمكانية الرد عليها، وصولا إلى حد تأييد عمليات القصف الدولي عن تغييرات في موقف التحالف وخاصة موقف الولايات المتحدة. وباستثناء ما سببته العمليات من أثر سلبي على النظام من الناحية السياسية في تهميش وجوده ودوره والتشكيك في مشروعيته بشكل عملي، فإن آثارا سلبية أخرى برزت سواء في الجانب الاقتصادي أو الاجتماعي، كان في الأول منها انهيار في أسعار صرف الليرة السورية، وموجة من غلاء سادت في المناطق التي يسيطر عليها، وفقد لبعض السلع الضرورية في الأسواق، فيما كانت الآثار في المستوى الاجتماعي أوسع، إذ لم تزد نقمة المعارضين والصامتين فقط، إنما زادت إليهم غضب المؤيدين، على النظام. ليس بسبب عدم مصداقية طروحاته «الوطنية» و«المقاومة»، وسياسة مسايرة التحالف ودوله، وإنما نتيجة إحساسهم بعبثية تلك السياسة وحربها المفتوحة، التي صارت أمام مصيرها المحتوم، حتى لو تأخر بعض الوقت، وبهذا انتقلت أوساط نظام الأسد من تفاؤل بإمكان الانتصار على الشعب والمعارضة وتصفية المتطرفين إلى تخوف من التطورات الجديدة، واحتمال أن تشمل عمليات التحالف الدولي أهدافا للنظام قصدا أو نتيجة «أخطاء غير متعمدة»، الأمر الذي من شأنه، إيصال النظام إلى نهاياته المرتقبة، والأمر فيما سبق، لن يقتصر على القاعدة المدنية للنظام، بل يشمل القاعدة الأمنية - العسكرية، وهذا قد يفسر التحركات الأخيرة في مناطق سيطرة النظام، والتي رد عليها الأخير بتعميم عمليات القمع والملاحقة، التي شملت بعض مؤيدي النظام وكثيرا من الصامتين. وأهمية ما يجري من تصدعات في واقع نظام الأسد في الداخل، لا يمكن فصله من تطورات خارجية تتصل به، ولا سيما في صف حلفاء النظام ممن ساندوه بكل قوة في السنوات الماضية، وأولهم روسيا التي عطلت طوال سنوات مضت أي عملية سياسية سواء للخروج من الأزمة أو في إدانة سياسة نظام الأسد وممارساته، ومنعت الذهاب إلى عقوبات أممية، وخاصة تحت البند السابع، وقد وقفت روسيا عاجزة عن فعل شيء لمنع تشكيل التحالف الدولي أو لمنع بدء عملياته، بل إنها لم تستطع منع القرار الأميركي في الطيران والرصد ضمن الأجواء السورية، الأمر الذي يعني في جانب منه خروج موسكو ولو بصورة محدودة من معادلة الصراع السوري. كما أن إيران وأدواتها، لم تكن بعيدة عما أصاب روسيا في موقفها الداعم لنظام الأسد، ورغم تأييدها لحرب على الإرهاب والتطرف وعلى «داعش» بشكل خاص، فقد عارضت قيام التحالف الدولي وبدء عملياته في سوريا، وأدانت بصورة واضحة قبول النظام لعمليات القصف، في وقت عجزت فيه، كما كان يقال، عن القيام بالتدخل لمنع أي عمليات عسكرية أجنبية في سوريا، مما يعني أن مصداقية إيران في دعم نظام الأسد أصيبت بضرر، وأن تناغم موقفها مع مواقف النظام دخل دائرة الالتباس، وكلاهما سوف ينعكس على دور الميليشيات اللبنانية والعراقية، من «حزب الله» اللبناني إلى لواء أبو الفضل العباس، وكلها ذات مرجعية إيرانية، وتأتمر بأوامر طهران. وثمة متغير آخر فيما يتعلق بأثر قيام التحالف الدولي وبدء عملياته على نظام الأسد، وهو انخراط دول عربية في الأمرين، وبعضها مثل الأردن، كان عازفا في السنوات الماضية عن تدخل ملموس في تطورات القضية السورية، لكنه انضم إلى التحالف، واشترك إلى جانب أشقائه في العمليات الجوية في الأراضي السورية. خلاصة القول: إن قيام التحالف الدولي للحرب ضد الإرهاب، ترك آثارا داخلية وخارجية على النظام، وهي آثار سوف تتفاعل مع استمرار العمليات وتطورها، والتي قد تصيب في وقت لاحق حواف النظام، قبل أن تصيب نواته الصلبة، وهذا بين الاحتمالات، طالما استمرت عمليات القصف الصاروخي والجوي. والسؤال الطبيعي، أنه إذا استمرت وتوسعت تصدعات النظام في وقت تشن فيه الحرب على الإرهاب وجماعاته، فمن سيملأ الفراغ في سوريا؟ والجواب الطبيعي والتقليدي، لا يذهب بعيدا عن الإشارة إلى المعارضة، التي من الواضح أنها في شقيها السياسي والعسكري، تعاني ما تعانيه، وهذا يفرض عليها إجراء تغييرات مهمة في قياداتها وبرامجها وآليات عملها، ووضعها على قاعدة تقدم تواجه من خلالها مهماتها وسط خطين من التطورات؛ أولهما نهاية جماعات الإرهاب من جهة، وتصدعات النظام وربما سقوطه من جهة ثانية. فهل تستعد المعارضة السورية لمباشرة مهماتها بصورة مسؤولة؟