×
محافظة المنطقة الشرقية

أعلنوا توبتهم من تعاطي السموم 150 شاباً يعتمرون بعد مشاركتهم في ملتقى المنتزهات

صورة الخبر

اهتم الخلفاء في دولة بني العباس، بأصحاب البلاغة، وأهل البيان، والكتاب المجددّين، فكانوا يستوزرونهم، ويحلّونهم المكانة اللائقة، وبمثل هذا حرص كثير من حكّام الأندلس وخلفاء الإسلام هناك. وما ذلك إلاّ أن هؤلاء من أبناء الأمم الذين دخلوا الإسلام، وعندهم في حضارة دولهم خلفيات صقلها الإسلام، فتأدبوا بأدبه. ولذا فإن هؤلاء قد أُدبّوا بأدب رفيع، وتعلموا منذ صغرهم أساليب اللغة، وحسن التذوق للآداب والعلوم، وما يتلاءم مع رغبات الملوك والرّتب العالية في الدولة.. لأن أسلوب المخاطبة منهم وإليهم، يختلف عمّا يصلح للعامة، وبرز هذا المنهج في الموالى، الذين أرادوا إثبات وجودهم بهذا المنهج. ونموذج ذلك عبدالحميد الكاتب، وابن المقفع، ممن برز تعصبهم لبني جنسهم، وبرز على الساحة في دواوين الدول الإسلامية كثير، ولا يبرز من هؤلاء إلاّ الأذكياء، وبعضهم له مآرب. وللاستشهاد نأخذ واحداً برز عند المأمون العباسي: إنه أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح، المعروف بالكاتب القفطي، من أهل الكوفة، كان مولى لبني عجل، ومنازلهم بسواد الكوفة، كما قال المرزباني. كان يتولى ديوان الرسائل للمأمون العباسي، وكان أخوه القاسم بن يوسف، يدّعي أنه من بني عجل، ولم يدّع أخوه أحمد ذلك، الذي اكتسب الأدب، وركب مطيتّه كما قال الشاعر: كن ابن من شئت واكتسب أدباً يغنيك محموده عن شرافة النسبِ قيل إنه مات في شهر رمضان، سنة 213هـ، وقيل سنة 214هـ. كان بيته بيت شعر وأدب وبلاغة، أبوه وإخوته ومنهم القاسم وأولادهم جميعاً كما حُكي عن عبدالحميد الكاتب، والأخفش وغيرهما. وفي قصة قُرْبه من المأمون، وتعيينه عنده في الديوان، قيل إنّه لما مات أحمد بن أبي خالد الأحول، شاور المأمون الحسن بن سهل، فيمن يكتب له بعد أحمد، فأشار عليه بأبي عباّد بن ثابت ابن يحيى الرازي، وبأحمد بن يوسف، وقال: هما أعلم الناس بأخلاق أمير المؤمنين، وخدمته وما يرضيه، فقال له: اختر لي أحدهما؟ فقال الحسن بن سهل: إن صبر أحمد على الخدمة، وجفا لذاته قليلاً، فهو أحبهما إليّ، لأنه أعرق في الكتابة، وأحسنهما بلاغة، وأكثر علماً. فاستكتبه المأمون.. وكان يعرض الكتب ويوقع، ويخلفه أبو عبّاد، إذا غاب عن دار المأمون مترفعاً عن الحال التي كان عليه، أيام أحمد بن أبي خالد. وكان ديوان الرسائل وديوان الخاتم، والتوقيع والأزمّة إلى عمرو بن مسعدة، وكان أمر المأمون يدور على هؤلاء الثلاثة. وفي موقف من المواقف لدى أحمد بن يوسف، ينبئ عن كرمه ونبل مروءته، كما جاء في كتاب: (ملح المالحة) لابن الكاتب، قال: لماّ خرج عبدالله بن طاهر، من بغداد إلى خراسان، قال لابنه محمد: إن عاشرت أحداً بمدينة السلام، فعليك: بأحمد بن يوسف الكاتب، فإنّ له مروءة. فما عرج محمد حين انصرف من توديع أبيه على شيء، حتى هجم على أحمد بن يوسف في داره، فأطال عنده، ففطن له أحمد، فقال: يا جارية غدّينا، فأحضرت طبقاً وأرغفة نقية، وقدمت ألواناً يسيرة وحلاوة، وأعقب ذلك بأنواع من الأشربة، في زجاج فاخر وآلة حسنة، وقال: ليتناول الأمير من أيها شاء. ثم قال له: إن رأي الأمير أن يشرّف عبده، ويجيئه في غدٍ أنعم بذلك. فنهض ابن طاهر، وهو متعجب من وصف أبيه له، فأراد فضيحة ابن يوسف، فلم يترك قائداً جليلاً، ولا رجلاً مذكوراً من أصحابه، إلاّ عرّفهم أنه في دعوة أحمد بن يوسف، وأمرهم بالغدوِ معه. فلما أصبحوا قصدوا، دار أحمد بن يوسف، وقد أخذ أهبته، وأظهر مروءته، وقد نصب أحمد بن يوسف ثلاثمائة مائدة، وقد صُفت بثلاثمائة وصيفة، ونقل إلى كل مائدة ثلاثمائة لون في صحاف الذهب والفضة، ومثارد الصين. فلماّ رُفعت الموائد، قال ابن طاهر: هل أكل من بالباب؟ فنظروا فإذا جميع من بالباب قد نُصبت لهم الموائد فأكرموا، فقال: شتاّن بين يوميك يا أبا الحسن، فقال ابن يوسف: أيها الأمير ذاك قوتي، وهذه مروءتي. وعن الموقف الذي به ارتفع، أحمد بن يوسف عند المأمون، وزادت مكانته لديه، ما ذكره الحصري القيرواني في كتابه زهر الآداب، قال: كان من أول ما ارتفع به أحمد بن يوسف، أنّ المخلوع، وهذا من أدب ابن يوسف، وعدم رغبته في جرح شعور المأمون فعبّر عن الأمين، وما حصل بينه وبين أخيه، حتى قُتِلَ باسم المخلوع. إذ لما قُتِل أمر طاهر الكتّاب أن يكتبوا إلى المأمون فأطالوا، فقال طاهر: أريد أخصر من هذا، فوُصِفَ له أحمد بن يوسف، فأحضره لذلك، فكتب: أما بعد فإنّ المخلوع، وإن كان قسيم أمير المؤمنين، في النسب واللحمة، فقد فرّق الكتاب بينه وبينه، في الولاية والحرمة، لمفارقته الجماعة وخروجه عن إجماع المسلمين، قال الله عز وجل لنوح عليه السلام في ابنه: (يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح). ولا صلة لأحدٍ من معصية الله، ولا قطيعة ما كانت في ذات الله، وكتبت إلى أمير المؤمنين، وقد قتل الله المخلوع، وأحصر لأمير المؤمنين أمره، وأنجز له وعده، فالأرض بأكنافها مهاد لطاعته، وأتبع شيء لمشيئته، وقد وجهت إلى أمير المؤمنين، بالدنيا وهو رأس المخلوع، وبالآخرة وهي البُردة والقضيب، والحمد لله الآخذ لأمير المؤمنين بحقه، وكقائد له من خان عهده، ونكث عقده حتى رد الألفة، وأقام به الشريعة، والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فرضي طاهر ذلك وأنفذه، ووصل أحمد بن يوسف وقدّمه. ولكن محمد بن عبدوس، أورد هذه الحكاية بنصّ مغاير، فقال: إن المأمون لماّ حُمِل إليه رأس المخلوع، وهو بمرو أمر بإنشاء كتاب عن طاهر بن الحسين ليقرأ على الناس، فكُتِبت له عدّة كُتُبِ لم يرضها المأمون، والفضل بن سهل، فكتب أحمد بن يوسف هذا الكتاب، فلماّ عُرِضت النسخة على ذي الرئاستين، رَجَعَ نظره فيها، ثم قال لأحمد بن يوسف، ما أنصفناك. ودعا بقهرمانه وأخذ القلم والقرطاس، وأقبل يكتب بما يفرغ له من المنازل، ويعدّ له فيها من الفرش والآلات والكسرة والكراع، وغير ذلك، ثم طرح الرقعة إلى أحمد بن يوسف، وقال له: إذا كان في غدٍ، فأقصد في الديوان، وليقعد جميع الكتاب بين يديك، والكتب إلى الآفاق. ومواقفه مع إخوانه، يتأرجح بين تقرير للمحسن، وتهجّم على الثقيل للضعف، ويعبرّ عن بغض من لا يودّ، بما يعبرّ عن مكنون نفسه. أما موقفه مع أصحاب الحاجات وطالبي الصلات فكان يحرص على أن يعبّر عنهم ويوّصل صوتهم إلى أمير المؤمنين، ويهتم بما ينفعهم، بما يضع من اقتراحات لدى المأمون، ليرغّبه في الخير. ولعل من أبرز تلك المواقف التي مرّت بابن يوسف، ذلك اليوم الذي مرّ بأبيه، فاستفاد منه عندما دُعِيَ فيه للمثول بين يدي الخليفة، فحاول التهرب لأنه لم يبرز بعد، ولكن الله قد جعل له به مخرجاً، وباب حظّ انفتح. فقد كان يكتب لعبدالله بن علي يوسف بن صبيح مولي بني عجل، من ساكني الكوفة بالسواد، فذكر القاسم بن يوسف بن صبيح، أن أباه حدثه: أن عبدالله بن علي، لما استتر عند أخيه سليمان بالبصرة علم أنه لا وزر عليه من أبي جعفر، قال: فلم أسْتِتَرْ، وقصدتُ أصحابنا الكتّاب، فصرت في ديوان أبي جعفر، وأجرى لي في كل يوم عشرة دراهم، قال: فبكّرتُ يوماً إلى الديوان، قبل فتح بابه، ولم يحضر أحد من الكتّاب، وإني لجالس عليه، إذ أنا بخادم لأبي جعفر، قد جاء إلى الباب، فلم يَرَ غيري، فقال لي: أجب أمير المؤمنين، فأسقط في يدي، وخشيت الموت، فقلت له: إنّ أمير المؤمنين لم يردني؟ فقال: وكيف؟ قلت: فإني لست ممن يكتب بين يديه، فهم بالانصراف عنّي، ثم بداله فأخذني وأدخلني.. حتى إذا كنت دون الستر وكلَ بي ودخل، ولم يلبث أن أخرج. فقال لي: أدخل فدخلت، فلماّ صرت على باب الإيوان، قال لي الربيع: سلم على أمير المؤمنين، فشممت رائحة الحياة، فسلّمت، فأدناني وأمرني بالجلوس، ثمّ رمى بربع قرصاس، وقال لي: اكتب وقارب بين الصّروف، وفرّج بين السطور، وأجمع خطك ولا تسرف في القرطاس. وكانت معي دواة شامية، فتوقّفت عن إخراجها، فقال لي: يا يوسف، وأنت تقول في نفسك، بالأمس كنت في ديوان الكوفة، أكتب لبني أميّة، ثم مع عبدالله بن علي، وأخْرَجَ الساعة دواة شامية؟ إنك إنما كنت في الكوفة، تحت يد غيري، وكنت مع عبدالله بن علي لي ومعي، والدرّيّ الشامية، أدب جميل، ومن أدوات الكتابة، ونحن أحقّ بها. قال: ثمّ فأخرجتها، وكتبت وهو يملي فلما فرغت من الكتاب، قل: أرم به فأتْرِب وأصْلِحْ، وقال: دعه وكِلْ العنوان إليّ. ثم قال: كم رزقك؟ يا يوسف الذي من ديواننا، فقلت: عشرة دراهم. فقال: قد زادك أمير المؤمنين عشرة دراهم، أخرى، رعاية لحرمتك لعبدالله بن علي، ومثوبة لك على طاعتك، ونقاء سماحتك. وأشهد أنّك لو اختفيت باختفائه، لأخرجتك ولو كنت في حجرة النمل، ثم زايلت بين أعضائك فدعوت له، وخرجت مسروراً بالسلامة.