من قديم تحدث الحكماء عن خطورة هذا الثلاثي.. والبيت التالي من أشهر ما يحفظه الكثيرون: إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة وليس من الضروري -بطبيعة الحال- أن يفسد هذا الثلاثي جميع من اتصفوا به، ولكن الشاعر -ومعه العقل والتجارب- يرى أن اجتماع هذا المثلث وسيلة للفساد وإغراء به، دون تشخيص أو تحديد، فهو وصف لحالة، والخروج بنتيجة معادلة.. ومع تكاثر الوارثين للملايين، بعد وفاة ملاك العقار الكبار، وهوامير الأسهم المسنين، وفي الواقع لا يملك عقارات هائلة أو أسهم بلا عدد إلاّ المسنون في الغالب، مع تكاثر هؤلاء الورثة من بنين وبنات، وانتقال الملايين لهم فجأة، وهم في عز الشباب يُخشى على كثير منهم من الوقوع في مستنقع الترف الشديد، والذي يقود عادة لتراخي الأخلاق وخفوت القيم والاستسلام للشهوات مما يفسد الأرواح والأجساد، ويجعل الغرام بالمظاهر والأسفار ظاهرة سيئة عند كثير من الوارثين الذين لم يتعبوا في جمع المال، ولم يعرفوا قيم الحياة وطبائع الأمور، فإن الذي يجمع ماله بجده وكده وصبره يكتسب ما هو أهم من المال وهو رجاحة العقل وحسن السلوك والاعتدال في الصرف والابتعاد عن الترف والإسراف، والبعد عن المظاهر الصارخة والتفاخر الأجوف، لأن مسيرته الطويلة في جمع المال جعلته يثمن قيمة العمل والاستقامة والاعتدال، أما وارثو الملايين بلا جهد ولا عمل ولا تجربة طويلة مع الناس -وهي تجربة بمثابة مدرسة تربوية- فإن كثيراً منهم يترك عمله ويحتقر دخله منه، وقد يدخل في دوامة الفراغ والترف والإسراف والاستخفاف مع غرارة الشباب وغرور المال وغول الفراغ وذلك طريق الفساد.