×
محافظة المنطقة الشرقية

تونس: خطة مدوّلة لحلّ الأزمة... أو لتعقيدها

صورة الخبر

تداولت أخبار الصحف تصريح رئيس هيئات الأمر بالمعروف أن لا مخالفات شرعية في الفعالية الثقافية في سوق “عكاظ”، وأن أعضاء الهيئة يؤدون واجبهم من دون مضايقات، وهو تصريح يعد بمثابة خطاب حسن سيرة وسلوك للمهرجان، وفي صفحة أخرى أعلنت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون عن ترشيح فيلم “وجدة” للمخرجة السعودية هيفاء المنصور في مسابقة الأوسكار عن فئة الأفلام الأجنبية، ممثلاً للمملكة العربية السعودية، لأول مرة في تاريخ المسابقة العالمية وتاريخ السينما السعودية. وفي الخبرين دلالات تستحق التوقف عندها، وأعني بذلك مصطلح شرعية أو مخالفات شرعية، وهي إشكالية سعودية بامتياز، وتوضح صورة التناقض الذي يعيشها المجتمع في دوامة الشرعي واللا شرعي، ويزيد منها جمود التعليم الديني في تقديم صورة ماضوية جداً عن الحياة، في ظل بروز مظاهر حياة عصريه جداً في المجتمع، وهو ما يعني في اتجاه آخر وجود أرضية خصبة للخلاف بين فئات المجتمع، وذلك لاختلاف حدود تعريفات الشرعي بين فئات أو أخرى، واختلاف الموقف منها من جهة لأخرى. لعل أكثر الأشياء ضبابية في الثقافة العربية المعاصرة الاتفاق حول حدود تطبيق الشريعة، وهل تعني تطبيقاتها كما طبقها الأجداد في القرن الثامن عشر، وكما حاولت جماعة طالبان تطبيقها في أفغانستان، وكما يفهمها بعض العلماء المعاصرين كطرح ديني يضع قيوداً وأشكالاً ملزمة لمختلف نشاطات الإنسان المسلم في حياته العامة، ويفرض أحكاماً واجبة عليه في لباسه ومأكله ومشربه وعائلته وفي سفره وفي الموقف من الفن والأدب والاقتصاد، وأن يسأل شيخه عن الأشياء والأفكار والوسائل المستجدة قبل أن يتعامل معها، وذلك تقية منه أن يقع في المحظور من الشريعة. لا اختلاف حول حق المسلم أن يسأل عن شؤون دنياه، ولكن الخلاف هل يصح أن يعمل السائل جاهداً على فرض فتوى التحريم التي حصل عليها على الآخرين كحجة لتطبيق الشريعة في مجتمعه، وهو ما يفتح باب الاختلاف حول حدود تطبيقاتها من أوسع أبوابها، وإذا كان الأمر غير ذلك من هي الجهة المخولة لتحديد الحدود الشرعية في المجتمع، وهل ترشيح جمعية الفنون لفيلم وجدة للمخرجة السعودية إلى مهرجان الأوسكار يعد عملاً مخالفاً للشرع أم أنه يدخل في المختلف عليه، والذي يخرجه من دائرة تطبيق الشريعة الحرفية، وهل الأغاني والموسيقى والفن والأدب بشكل عام، ومنها أيضاً الاختلاط في المهرجانات وأماكن العمل مخالفة صريحة لتطبيقات الشريعة، أم أنها في حكم المختلف حوله، الذي لا يستدعي أن يفتح بعض الدعاة النار عليه في الحياة العامة. وهل من الشريعة أن تكون اليد الطولى في تفسير الشريعة لرجال الدين فقط، وهل يصح أن يعمل رجال القانون من أجل وضع قوانين جديدة ضمن حدود الشريعة، ومثال ذلك، هل يجوز تطوير أحكام شرعية إلى تفرعات أكثر تفصيلاً في الحدود، تختلف باختلاف الجريمة، ومثال ذلك للسرقة عدة أوجه، يكون للحكم في أقصاها لقطع اليد، وما دون ذلك يكون حكمه السجن، ولكن ما هو أقصى جرائم السرقة، وما هي أنواعها التي لا تستحق عقوبة قطع يد، وما هي الشبهات التي تدرأ تطبيق الحد، وهل يعني ذلك البراءة، أم غير ذلك!.. أسئلة لا نهاية لها، والسبب غياب مناهج فقهية معاصرة تقدم التحديث في قالب شرعي.. ما أردت الوصول إليه عبر المقدمة أعلاه أن الاختلاف حول حدود تطبيق الشريعة بين علماء الدين وبقية فئات المجتمع أزمة منتظرة في الأفق، وإشكالية قد تحترق بسببها المجتمعات العربية، التي لا تزال تعيش في مأزق اختلاف المفاهيم حول تطبيق الشريعة، الذي يشهد أحياناً فصول مثيرة للرعب، كما حدث من بعض الفرق الجهادية التي نحرت رجالاً بحد السكين لجهلهم بالعبادات، وهل ذلك يدخل ضمن حدود تطبيق الشريعة، ولماذا لا يستنكر علماء الأمة هذه الأفعال، وهل عدم استنكارهم يجعلها من ضمن الاختلاف حول تطبيق الشريعة، وهل معنى ذلك أن ما فعلوه يدخل في تطبيق الشريعة؟! في المجتمع السعودي تظهر أيضاً اختلافات واسعة حول هذه المفاهيم، ومنها أن تطارد هيئة دينية مظاهر الحياة العامة تحت ذريعة تطبيق الشريعة، وتظهر بوضوح في ملاحقة رجال الهيئة للصور في الشوارع، وإلى إغلاق صوت الموسيقى في المقاهي، وملاحقة الباعة في المحلات التجارية من أجل الصلاة في المساجد، وفي اتجاه آخر ترشح جمعية الفنون فيلم وجدة للمشاركه في الأوسكار. ما يعني أن مفهوم تطبيق الشريعة لا يزال أمراً غامضاً، وقد يكون الاختلاف حوله مدعاة لانفجار الأزمات في المستقبل، ولكن هل بمقدورنا الخروج من تلك الأزمة المنتظرة بوضع أطر متفق عليها، تمنح مزيداً من الحريات المقننة، وتوقف تدخلات بعض الأفراد المحتسبين في مهمة تطبيق الشريعة على أي شيء يعتقدون أنه مخالف لتعليمات الشريعه حسب وجهة نظرهم.