الحب شعور متدفق يصعب التحكم في صده أو رده، لكن إخفاء مظاهره وكبح جماحه في بعض الحالات هو أمر في غاية الأهمية. لذلك يخطئ الآباء عندما يعلنون مشاعر الحب تجاه أحد الأبناء دون الآخرين، وسورة يوسف في القرآن الكريم خير دليل على أن عدم العدل في الحب له جوانب خطيرة على الاستقرار الأسري !هناك آباء يدللون أحد الأبناء فيعمدون بدون شعور منهم إلى إيجاد أرضية غير مناسبة للتشاحن بينهم، وتلك هي الشرارة التي ولدت قصة النبي يوسف عليه السلام، ثم تسببت فيما بعد بأحداث استمرت لعدة سنوات لحكمة أرادها الله، وأوردها القرآن الكريم لنتعظ منها لا لكي نقوم بتكرارها ! {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} الآية 8 سورة يوسف). كذلك يفعل المدراء الذين قد يفضلون موظفا على غيره فيجعلونه المنفذ الوحيد الذي يؤدون من خلاله الأعمال الرئيسية! فلأسباب مختلفة يتكرر في مؤسساتنا الحكومية الجزء الأول من قصة يوسف عليه السلام وإخوته، عندما يقوم مسؤول في مؤسسة حكومية بما قام به النبي يعقوب بن اسحق عندما أظهر حبه لابنه يوسف على حساب إخوته. يحدث ذلك عندما يفضل المدير والمسؤول موظفا على غيره من زملائه فيجعله المنفذ الوحيد الذي يؤدي من خلاله الأعمال الرئيسية والمهمة ! وينتج عن هذا الحب أن يكون الموظف هو الآمر الناهي والمتصرف بشؤون المؤسسة فيهب المتزلفون ليقدموا (الولاء والطاعة) ليس للمدير ولكن لهذا الموظف الذي رأوا أنه (الماستر كي) لقلب المدير! بينما يجد الموظفون الأكفاء أنفسهم خارج التغطية! ويزيد الأمر سوءا عندما (يستغل) الموظف ما يفيضه مديره عليه من ثقة وحظوة في التمكن والسيطرة ليصبح هو الحاكم بأمره. ويعتقد النفعيون والبسطاء أن تجاوزاته وجرأته في الالتفاف على الأنظمة دلالة على ذكائه المفرط ! هناك من فهموا ثقة وحب المدير لهم على أنه تفويض وصلاحيات وإطلاق اليد ليتصرفوا كيفما شاؤوا! خاصة إذا استغل الموظف الصلاحيات الممنوحة لكي يجعل المؤسسة أو الدائرة الحكومية إقطاعا خاصا عبر تفاهمات وعلاقات فوق النظام وتحته. ويكاد يتملك المرء العجب عندما يجد مثل هذه الأوضاع تتفشى في بعض إداراتنا الحكومية لتصبح ظاهرة معلنة يتم تداولها ومناقشتها من تقريب موظف على حساب الآخرين وتمكينه من أن يستولي على (الجمل) بما (حمل) ! وعطفا على علاقاته التي اكتسبها من خلال مميزات حصل عليها بسبب موقعه الوظيفي فإنه يحصل على مميزات وهبات لم يكن سيحصل عليها ذلك الموظف لو جلس في بيت أمه وأبيه ! وغالبا فإن تلك السلطات الإدارية التي يحصل عليها الموظف وتلك القربى من بعض المسؤولين والمتنفذين تنتج تذمرا من زملائه الموظفين بل وخضوع موظفين آخرين لسلطة وهيمنة الموظف المفوض وفقدانهم صلاحياتهم وضعف واهتزاز شخصياتهم وقدرتهم على اتخاذ القرار حتى ولو كانوا رؤساء أقسام عندما يتلقون الأوامر والتوجيهات من موظف يعرفون داخل قرارة أنفسهم أنه يوجههم بالاتجاه الخطأ ! وتلك الأجواء تنمي في إدارتنا الحكومية الشعور بالإحباط والتخاذل في إنهاء الأعمال كل ذلك بسبب تفضيل موظف على زملائه ليقوم بأدوارهم وتنتهي إليه معاملاتهم. نعرف أن (التفويض) هو أحد الأساليب الإدارية الناجحة والتي يوصي بها خبراء الإدارة لكنه كأسلوب إداري لا يحقق النتائج المطلوبة منه إذا تم لشخص يثبت بالتجربة أنه يخطئ كثيرا بحق المدير وسمعته وسمعة الجهة التي يعمل فيها! إخوة يوسف ألقوه في الجب ولكن زملاء الموظف (المتنمر) لن يكون بيدهم سوى اجترار عبارات الإحباط في مكاتبهم! alhoshanei@hotmail.com