يعد الاكتئاب مرضا شائعا كنزلات البرد والانفلونزا!! لا يميز بين كبير أو صغير أو غني أو فقير. وتقول احدى الإحصائيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، أن ما يقرب من 7% إلى 10% من سكان العالم يعانون من الاكتئاب!! تقول عالمة النفس"ميلاني كلاين" إن المعاناة التي يسببها الاكتئاب النفسي للبشرية، تفوق بقية الأمراض الأخرى مجتمعة. الا اني أعتقد أن الاكتئاب يفوق كثيرا الأرقام التي تذكرها الجهات الصحية. لا سيما أن بعض مرضى الاكتئاب لا يذهبون الى الأطباء لطلب العلاج! بل ربما يظل الشخص يعاني من الاكتئاب حياته كلها! دون أن يراجع الطبيب أو حتى يدرك أنه مصاب بالاكتئاب!! الحقيقة في ظل المتغيرات السريعة في واقعنا الحالي، والأزمات الاقتصادية، والصراعات والحروب التي تنتشر في مختلف أماكن العالم. كل ذلك يجعل العلماء يتنبأون بزيادة انتشار الاكتئاب، فقد يعتقد بعضنا أن الاكتئاب هو ابن عصرنا فقط، ولكن الاكتئاب قديم قدم الانسانية! وقد وجد وصف لمرض الاكتئاب لدى المصريين القدماء قبل حوالي 1500 عام!! فالاكتئاب لا يشكل معاناة فقط للفرد نفسه!بل تتبعه الكثير من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية. فهو يؤثر في انتاج الفرد في العمل، وعلى علاقته بالآخرين. وحتى العناية بمريض الاكتئاب تعتبر مرهقة للأطباء والأهل والمجتمع بصفة عامة. ناهيك عن المعاناة الصحية لمريض الاكتئاب. فمريض الاكتئاب يعاني من ضعف جهاز المناعة واهمال التغذية السليمة ما يؤدي الى إصابته بالكثير من الأمراض كالقلب والضغط والشرايين. بل إن كثيرا من الدراسات تشير الى ارتباط أمراض القلب والضغط بوجود تاريخ لمرض الاكتئاب لدى الفرد المصاب. تتفاوت أسباب الاكتئاب وتفسير الأطباء له، في السابق كان الاكتئاب ينسب الى السحر أو الأرواح الشريرة وغيرها من تفسيرات غير علمية. أما الآن فهناك عدة نظريات تحاول تفسير الاكتئاب. هناك فئة من العلماء تعتقد أن السبب يعود الى التربية القاسية في الطفولة، أو الصراعات التي يعيشها الانسان بين واقعه وما يتمناه. كما أن فقدان الفرد لعزيز أو تعرضه لخسارة مالية أو فقدان وظيفة كلها تؤدي الى اصابته بالاكتئاب. وتحديدا ما يسمى بالاكتئاب التفاعلي. الا أنه في الآونة الأخيرة برز دور العوامل البيولوجية التي تقف وراء مرض الاكتئاب. اذ إن الاكتئاب يترافق مع تغيرات في الناقلات العصبية في مخ الفرد المكتئب. ولكن السؤال يعود هل الاكتئاب يؤدي الى تلك التغيرات، أم أن هذه التغيرات هي سبب الاكتئاب؟!! أيا كان السبب هناك اتجاه في تناول مرض الاكتئاب وهو الاتجاه التكاملي والذي يؤمن بتعدد العوامل التي تقف خلف مرض الاكتئاب. ما يجعل التشخيص أدق، وحتى فرص التحسن أكبر.. وللحديث عن الاكتئاب تتمة في المقال القادم بإذن الله.