على مبدأ التفاؤل الذي هو ديدني في هذه الحياة (الزئبقية)، التي هي في أغلب الأحيان لا تتركني بحالي. وفي عرفي المتواضع أن التفاؤل إذا لم يصاحبه شيء من الفرح والابتسام يصبح تفاؤلا أعور. لهذا مازلت أبتسم حتى عندما أكون في قمة حزني، بل وحتى عندما أجهش بالبكاء، وما أكثر ما ارتبك من أراد أن يواسيني، لأنه يحتار ولا يعرف صدقي من كذبي. لأنني منذ تعلقت بالأحاديث الشريفة، اصطفيت منها الحديث الشريف القائل بما معناه: (التبسم في وجه أخيك صدقة)، وحيث إنني أريد أن أجمع بقدر ما أستطيع الكثير من الصدقات، لهذا أصبحت مثلما يقول أهلنا في جنوب المملكة (فاغر الفهشة). فكل من أواجهه أو أواجهها أبتسم دون أن تظهر أسناني له حتى لو كان من أعدائي، وحتى لو لم أكن أعرفه، غير أن هذه الطريقة الرائعة والحضارية كثيرا ما أو قعتني بمشاكل أو إحراجات، فالذي بيني وبينه عداوة يظن أنني أهزأ به، والفتاة التي أقابلها عرضا في أي (مول) وأبتسم لها من أجل رفع معنوياتها تقذفني بالشتائم ظنا منها أنني أتحرش بها، والبعض منهم جزموا أنني إنسان غير سوي، أو في أحسن الأحوال إنسان (مخفوف) لا يركن له. ومع ذلك لازلت أسير على هذا المنوال، ولا أذكر أن عيني غفت في السرير إلا والابتسامة مرسومة على محياي العكر، والغريب أن أحلامي كلها (كرتونية)، وأغلب أبطالها هم (ميكي وماوس) أو (توم اند جيري) أو البطة (ماكدونلددك)، وما أن أفتح عيني بالصباح إلا وابتسامتي تسابقني قبل أن أقشع اللحاف، ولا غسلت وجهي ونظرت بالمرآة إلا وهي تصاحبني، بل أنني بدون مبالغة أفرش أسناني وأنا كذلك أبتسم وأغني، إلى درجة أنني أشرق أحيانا بالمعجون بل وأبلعه. ولا أدري هل هذا هو مرض، أم أنه علة؟! ولم يسبق لي أن ذهبت إلى أدغال أفريقيا، ولو أنه حصل لتأكدت أنني أصبت قطعا بمرض (كورو) الذي يؤدي إلى الإغراق بالضحك، إذن كيف أفسر حالتي المستعصية هذه؟! وبينما كنت أضرب (أخماسا بأسداس)، وإذا بي أقع على حديث شريف، جاء فيه: أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال وهو يتبسم قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم، قال: حدثني جبريل عليه السلام وهو يتبسم قال: آخر من يدخل الجنة رجل، يقال له: مر على الصراط، فيتعلق بيده فتزل به أخرى، ويتعلق برجله، فتزل به أخرى، ويتعلق بركبته فتزل به أخرى، والنار تأخذه بشررها وتلذعه بلهبها، كلما أصابة شيء منها وضع يده عليه: وقال: حس، حتى يخرج منها برحمة الله تبارك وتعالى وهو يتبسم ـ انتهى. ساعتها انفرج صدري، وحمدت ربي وأنا أتبسم.