في صيف 1990 وعندما غزا الجيش العراقي الكويت "الشقيقة" وحشد أكثر من 150 ألف جندي عراقي على الحدود السعودية، فتح الملك فهد بن عبدالعزيز مراكز التطوع أمام السعوديين للتدريب على حمل السلاح للدفاع عن وطنهم. لبى السعوديون في تلك الفترة النداء وانخرط الصغير في التطوع قبل الكبير، ولم تعد تحتمل مراكز التطوع التي فتحت في كل مناطق السعودية تلك الأعداد "الهائلة" من المتطوعين. أذهل التدافع على التطوع صناع القرار في السعودية، وهو الأمر الذي دفع الملك فهد في ذلك الحين للقول "لن يدخل الجيش العراقي الأراضي السعودية إلا على جثث كل السعوديين"، ويعني أن الجميع سيحمل السلاح ويذود عن حياض الوطن، وهو أمر استشعره وهو يرى التدافع على مراكز التطوع للتدريب وحمل السلاح والانخراط على الجبهات كافة ــ إن اقتضت الحاجة. كل من عايش تلك الفترة "الصعبة" التي مرت بها السعودية سيعلم جيدا أي عشق يتنامى في قلوب السعوديين تجاه وطنهم الذي كرمه الله بخدمه الحرمين الشريفين، وكرمه على كل الدول في العالم ببزوغ الرسالة المحمدية على أراضيها. الوطنية وحب الوطن منغمسة في صدور كل السعوديين، ولا أحد يشكك في ولائهم أولا لدينهم ثم أرضهم ووطنهم، ويرتفع "هرمون" الوطنية لديهم كسائر الشعوب عندما يتعرض الوطن للخطر.. يتناسى الجميع اختلافاتهم المناطقية والقبلية والعقائدية وينخرطون في نسيج واحد صفا صفا لا أحد يتأخر عندما يكون الوطن في خطر. بالأمس احتفل السعوديون باليوم الوطني الـ 84، وخرج أغلبية الشعب للتعبير عن الفرح بهذا اليوم المجيد الذي كان سببا في تقريب القلوب وتوحيد الصفوف ونبذ الفرقة والتناحر والتنافر القبلي والمناطقي. لم يكن الثالث والعشرون من أيلول (سبتمبر) يوما يمكن أن يمر مرور الكرام، فمن يقرأ التاريخ ويتصفحه جيدا ويتأمله يمكن له أن يستشعر قيمة هذا اليوم، وسيعرف كيف كانت السعودية قبل الـ 23 من أيلول (سبتمبر) 1932 "الموافق 21 جمادى الأولى 1351هـ"، وكيف أصبحت من بعده. مر 84 عاما على مسيرة البناء والرخاء في السعودية، مر 84 عاما ونحن ننعم بالأمن والأمان والاستقرار والرخاء، وما تلك إلا نتيجة غرس غرسه الأجداد ورواه الآباء، وها نحن ننعم به اليوم محتفلين وفرحين. رحم الله المؤسس الملك عبدالعزيز رحمة واسعة، ورحم أجدادنا المشاركين والمساهمين معه في توحيد البلاد .. رحم الله آباءنا الذين حملوا "راية" الوطن مدافعين عن حياضه بانين أركان استقراره ووحدته، وأدام عز السعودية وحفظها الله وحماها من كل مكروه.