يعاني العالم اليوم من مرض يسمى بالاستهلاكية. وهي الرغبة المفرطة باستهلاك السلع أو الخدمات لدرجة ربطها بالقيم الاجتماعية ونظرة المجتمع إلى الفرد، بل وحتى نظرة الفرد إلى نفسه. الخلل الناتج عن الاستهلاكية هو زيادة المتراكمة للحاجة إلى المزيد من الموارد المحدودة، لدرجة تصل إلى استنفاذها. فتضع التنمية الاقتصادية في خانة اليك، حيث إن استشراء الاستهلاكية بالشكل الحاصل اليوم ربط النمو بزيادة الاستهلاك. وهو أمر يتنافى مع أساسيات الاستدامة، حيث تفني الموارد، اقتصادية كانت أو صناعية أو طبيعية. فيستهلك اقتصاد اليوم ما كان من المفترض أن يبقى للمستقبل والأجيال القادمة. بدأ هذا المرض الاقتصادي منذ عصر الاستعمار. فقد جلب الاستعمار معه زيادة وتنوعاً في العرض من سلع شكل استنزافاً لثروات الشعوب المستعمرة. لكنه لم يقف عند هذا الحد فقط، فعندما جاءت الثورة الصناعية وبدأت خطوط الإنتاج تعتمد أسلوباً منهجياً يخفض التكاليف ويرفع من الكميات المنتجة، فقد تحول هدف الاستعمار إلى الإبقاء على أسواق المستعمرات مفتوحة أمام منتجاتها. فزيادة الطلب على ما تنتجه الدول الصناعية المستعمرة من سلع مفيدة ذات تقنية وجودة عالية سيحقق أعلى الأرباح إن بقي الطلب عليها في ازدياد. بدأت الاستهلاكية في الطبقة الثرية من كل مجتمع. فهي تستهلك زيادة عن حاجتها من سلع وخدمات أساسية، ليمتد استهلاكهم إلى أشياء أخرى كمالية ذات طبيعة مرفهة. ولكن مع الوقت، ومع زيادة العرض المتسارع، بدأ المنتج يبحث عن مستهلكين جدد، وانتقل بالتالي إلى الطبقة المتوسطة، فانفتح أمام الشركات والمصانع سوقا لا حدود له. فكل الناس تريد أن تكون من الطبقة المتوسطة. الغني المسرف يريد أن يبرر إسرافه ويتطلع إلى ما هو أعلى من ذلك، والفقير المدقع بدأت تتوافر له سلع كمالية تنامت حاجته إليها لتزاحم الأساسية. لكل ما سبق من علل اقتصادية صاحبت الرأسمالية وحرية الأسواق والعولمة سببها الخلل في القيم الاجتماعية. فالعالم أصبح قرية صغيرة يؤثر كل طرف فيه على أبعد وأقرب طرف. وما تغلغل القيم الرأسمالية الغربية لدى بقية شعوب العالم إلا دليل على ذلك. فالقيم لم تعد مجرد موروث ثقافي أو ديني، إنما هي حالة اجتماعية حية أصابت العالم كله بمرض الاستهلاكية. قد يكون العلاج في العودة إلى قيم أبسط تعبر عنا نحن بدلا من أن تكون مستوردة. فنجد في ثقافتنا الإسلامية ما يعالج هذا المرض الخطير الذي يهدد مستقبلنا ومستقبل أحفادنا. فقد جاء في القرآن الكريم {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}. كما روي عن الخليفة عمر بن الخطاب أنه قال: « لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين».