×
محافظة المنطقة الشرقية

تجسيد المراحل المفصلية للمملكة من التأسيس إلى التوحيد

صورة الخبر

منذ أن تم توحيد هذا الكيان الكبير على يد الملك عبدالعزيز –رحمه الله– ونشوء الدولة الوطنية الحديثة وظهور حركة التعليم الحديث، خرج علينا كوكبة من الأدباء والشعراء بأعمال جديدة تعد من بواكير الأدب في المملكة، كانت بمثابة إرهاصات لحركة الثقافة في بلادنا ورسمت هذه الأعمال ملامح النهضة الأدبية التي تريد الانطلاق منها. لكن المتأمل اليوم لهذا النتاج الثقافي الذي صدر قبل عقود طويلة في الأدب والنقد والشعر لا يجد له أثراً في المكتبات حتى يستطيع الجيل الجديد أن يكون على صلة وثيقة مع هذه الأعمال، ومن هنا ينبثق هذا السؤال: من يعيد لنا ملامحنا الأدبية القديمة التي صدرت مع مطلع بروز هذا الوطن؟ وذلك بتحقيقها والتقديم لها لتكون حاضرة بين أبناء هذا الجيل وهو نوع من البر بأدب الرواد وأدب نهضتنا في السعودية لكون المرحلة في أشد الحاجة إليها حتى تتاح للدارسين. في مطلع هذا الاستطلاع تحدث الأديب والباحث المعروف الأستاذ حماد السالمي مشيراً إلى الذي لعبته بعض دور النشر في بيروت والقاهرة في إحياء كتب رواد النهضة العربية وقال أيضاً: في محادثته معي عن الإنتاج الأدبي والبحثي للرعيل الأول؛ أثار عندي الصديق الأديب محمد باوزير، هموم وشجون الكثير من المتتلمذين على أقلام الكبار فيما سبق من عقود، فقد تذكرت فوراً أني كنت في الصغر ألاحق كتب المنفلوطي والرافعي وطه حسين وغيرهم كثير من العماليق؛ كتاباً كتاباً؛ حتى جاء الوقت الذي رأيتها تسوق في مجاميع كاملة، فحمدت لدور النشر التي اهتمت بها هذا التوجه، وهنأت المتابعين من هذا الجيل؛ على أنهم لن يجدوا تلك المعاناة التي عانينها في زمن مضى. السالمي: الأعمال الرائدة في بلادنا يتصدى لها الأفراد دون المؤسسات إن الجيل القادم من الأدباء والدارسين والباحثين؛ لن يكونوا في مستوى الكبار الذين سبقوهم؛ إذا لم يتتلمذوا على أدبهم، وينهلوا من المناهل التي وفروها عمن سبقهم من كبار سبقوهم. إن (ثقافة الكبسولة الرقمية) لن تخلق ثقافة جادة وأصيلة، وهي للتسطيح أقرب من أي أمر آخر، وهنا تأتي أهمية.. بل ضرورة نشر كتب الكبار التي فيها أدبهم وأخلاقهم وحياتهم، وفيها منابع الفكر والعلم والثقافة الجادة التي بدأت تنحسر أمام الزحف الرقمي للمعلومة (المكبسلة). كثير من دور النشر والمؤسسات العامة والخاصة في بيروت والقاهرة على سبيل المثال، اهتمت بهذه القضية منذ وقت ليس بالبعيد، وأتحفتنا بكثير من المجاميع الأدبية والشعرية والتاريخية والعلمية لعدد كبير من الأعلام في الوطن العربي وخاصة في مصر ولبنان، ونحن نحتاج في هذه البلاد؛ إلى جهود جادة كهذه، لإعادة طباعة ونشر أعمال أدباء وباحثين سعوديين كبار مثل الشيخين ابن خميس والجاسر، والأساتذة الأنصاري والعواد وشحاته.. رحمهم الله. وعشرات يضيق المجال لذكرهم من كافة مدن المملكة، البعض منهم على قيد الحياة، ولكن عينه بصيرة ويده قصيرة..! ومع أن اثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة كانت رائدة في هذا المجال، فتصدت للجمع والنشر في (أعمال كاملة) لعدد من الأدباء؛ إلا أن هذه الجهود تظل غير كافية، وهذا يقودنا إلى السؤال عن دور الأندية الأدبية التي وجدت لخدمة الأدب والأدباء منذ البدء.. وفي ختام كلمته ينوه السالمي بدور الأفراد في القيام بهذه المهمة ويذكر من الملاحظ أن الأعمال الرائدة في بلادنا حتى اليوم؛ إنما يتصدى لها أفراد دون مؤسسات إلا ما ندر، فالبحوث الجادة، والدراسات الشاقة، ينهض بها أفراد انطلاقاً من قناعات علمية وفكرية بحتة، فهم يتعبون ويغرمون ولا يغنمون، هذا إذا لم توضع العصي في عجلاتهم أحياناً لتعطيل الحركة، ووجب أن تهتم الدولة بهذا الشأن، وأن تدعم وتعين الباحثين المتصدين للتأليف والنشر أولاً، ثم تعمد إلى إيجاد مؤسسة تهتم بالتراث والقديم والجديد من أدب الأدباء وإنتاج الباحثين، لجمعه وإعادة نشره في مجاميع ميسرة للدارسين في الداخل والخارج. إن جهودنا الفردية في البحث والنشر كبيرة وعظيمة، ولكنها تظل متواضعة إذا لم تلتفت الدولة لهذا الجانب من خلال مؤسساتها الأدبية والعلمية، أو تنشئ دار نشر خاصة تتولى السابق واللاحق مما يستحق الجمع وإعادة النشر والتوزيع. في حين يذكر الباحث والأديب الدكتور عبدالله الحيدري رئيس نادي الرياض الأدبي التفاصيل الدقيقة لكل الجهات الثقافية التي أعادت نشر كتب الرواد وقال أيضاً: انتبهت بعض المؤسسات الثقافية، وبعض دور النشر منذ ما يقرب من أربعين عاماً إلى صعوبة الحصول على الكتب المهمة والمؤثرة في مسيرة ثقافتنا؛ لنفاد نسخها من المكتبات وصعوبة الحصول على نسخ منها، وبخاصة في مرحلة ما قبل إنشاء مكتبة الملك فهد الوطنية المعنية بحفظ الإنتاج الفكري للمؤلفين السعوديين. د. الحيدري: الأندية سباقة وبعض الجهات اقتصرت على إعادة الطباعة فقط، وبعضها أضافت دراسة وربما تكون الأندية الأدبية من أوائل الجهات التي عُنيت بذلك، وخاصة الأندية الستة الأولى التي أنشئت في عام 1395ه، وهي أندية: مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض وجدة والطائف وجازان. وقد تولى هذا الجانب في نادي الرياض الأدبي الدكتور يحيى محمود بن جنيد في الإصدارات المبكرة، وواصل الزملاء بعده هذا الاهتمام، وصدرت عن النادي إعادة طباعة للكتب التالية: المرصاد لإبراهيم فلالي (1400ه/1980م)، وثمن التضحية لحامد دمنهوري (1400ه/1980م)، وأرض بلا مطر لإبراهيم الناصر (1422ه/2002م)، وشعراء نجد المعاصرون لعبدالله بن إدريس (1423ه/2002م)، وموقع عكاظ لعبدالوهّاب عزّام وحمد الجاسر ومحمد بن بليهد (1429ه/2008م)، والخبز والصمت لمحمد علوان (1429ه/2008م)، ومحمد فريد أبو حديد للدكتور منصور الحازمي (1429ه/2008م)، والحفلة لعبدالله باخشوين (1430ه/2009م)، والحب لا يكفي لمحمود المشهدي (1431ه/2010م)، وثقب في رداء الليل لإبراهيم الناصر (1431ه/2010م). وهذه الكتب مجتمعة صدرت طبعاتها الأولى قبل سنوات طويلة، وأصبح معظمها من النوادر، وبخاصة: المرصاد الصادرة طبعته الأولى في عام (1370ه/1950م)، ورواية ثمن التضحية الصادرة طبعتها الأولى عام (1378ه/1959م)، وشعراء نجد المعاصرون الصادرة طبعته الأولى عام (1380ه/1960م). وقد أعاد نادي الطائف الأدبي طباعة كتاب عبدالسلام الساسي "شعراء الحجاز في العصر الحديث" عام (1402ه/1982م)، وهو من الكتب النادرة، وصدرت طبعته الأولى عام (1370ه/1950م)، وديوان أجنحة بلا ريش لحسين سرحان عام (1397ه/1977م) الصادرة طبعته الأولى عام (1388ه/1966م)، وسفينة الضياع لإبراهيم الناصر عام (1409ه/1989م) الصادرة طبعتها الأولى تحت عنوان "سفينة الموتى" عام (1389ه/1969م). وأعاد نادي مكة المكرمة الأدبي طباعة ديوان "الطلائع" لأحمد محمد جمال باسم آخر، وهو "وداعا أيها الشعر" عام (1397ه/1977م)، في حين صدرت الطبعة الأولى عام (1366ه/1947م). ولنادي جدة الأدبي جهود في هذا الصدد، فقد أعاد طباعة كتاب حسن القرشي "شوك وورد" عام (1401ه/1981م) الصادرة طبعته الأولى عام (1378ه/1958م)، وأمواج وأثباج لعبدالفتاح أبو مدين عام (1405ه/1985م) الصادرة طبعته الأولى عام (1378ه/1958م)، وغيرها من الكتب. ومن الأندية التي أسهمت في إعادة كتب الرواد نادي المنطقة الشرقية الأدبي، فقد أعاد عام (1432ه/2011م) طباعة كتاب "الأدب في الخليج العربي" لعبدالرحمن العبيّد الصادرة طبعته الأولى عام (1377ه/1957م). على أن هذه النماذج لجهود الأندية الأدبية لا تعني الحصر (باستثناء نادي الرياض)، ومن المؤكد أن للأندية الأدبية الأخرى إسهامات أكبر، ولكنني لست هنا في سياق الحصر، وإنما التمثيل. ومن الجهات التي عُنيت بإعادة طباعة كتب الرواد، شركة تهامة، ومن أهم الكتب التي أعادت طباعتها، كتاب "وحي الصحراء" لمحمد سعيد عبدالمقصود وعبدالله بلخير عام (1403ه/1983م)، في حين صدرت طبعته الأولى عام (1355ه/1936م). ودار الفرقان للنشر والتوزيع التي أعادت طباعة كتاب "التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية" لعبدالله عبدالجبار عام (1429ه/2008م)، في حين صدرت طبعته الأولى عام (1379ه/1959م). ويكاد ينفرد كرسي الأدب السعودي بجامعة الملك سعود الذي يشرف عليه الدكتور صالح بن معيض الغامدي (أنشئ عام 1433ه/2012م) من بين الجهات المهتمة بكتب الرواد في اعتماده في إعادة طباعتها على خطة أقرها الفريق العلمي للكرسي، ونشرت في الكتيّب التعريفي الذي صدر عن الكرسي، وتضمنت الخطة إقرار سلسلة تحت عنوان "سلسلة دراسات رائدة"، وتهدف إلى إعادة طباعة عدد من الكتب، وصدر عنها كتاب واحد هو "الأدب الحديث في نجد" للدكتور محمد بن سعد بن حسين عام (1434ه/2013م)، وأعلن الكرسي أنه بصدد نشر كتب أخرى، منها: أدب الحجاز لمحمد سرور الصبّان، وساحل الذهب الأسود لمحمد المسلم، وشعراء الجنوب لمحمد العقيلي ومحمد السنوسي. على أنه يحسن أن أنوه هنا بجهود بعض الأفراد في إطار الحديث عن إعادة طباعة كتب الرواد، ومن الأمثلة المشرقة، جهود الباحث الأستاذ حسين بافقيه حينما أعاد طباعة كتابي: خواطر مصرّحة لمحمد حسن عوّاد، والأدب الفني لحسن كتبي، مع دراسة مطوّلة للكتابين وعناية بإخراجهما وطباعتهما؛ وليته يواصل مسيرته في هذا الاتجاه. وأخيراً أشير إلى بعض الرؤى في سياق الحديث عن اهتمام المؤسسات الثقافية بإعادة طباعة كتب الرواد، ومنها: معظم الجهات (باستثناء كرسي الأدب السعودي) لم تكن فكرة إعادة الطباعة ضمن خطة محدّدة مدروسة تضع نسبة معينة مثلاً لها ضمن الإصدارات بشكل عام، ولم تخضع الكتب الصادرة لسلسلة معينة، وهذا أدعى لاستمرار المشروع وعدم توقفه. بعض الجهات أعادت الطباعة بطريقة التصوير المطابق للطبعة الأولى، وبعضها أعادت صف الكتاب من جديد، ففقد شيئا من رائحة الماضي. بعض الجهات اقتصرت على إعادة الطباعة فقط، وبعضها أضافت دراسة، أو مقدمة تكشف أهمية الكتاب، وهذا الاتجاه الأخير هو الأفضل. ما زال العديد من الكتب الرائدة نادرة، ولا يمكن الحصول على بعضها حتى بالتصوير؛ لعدم وجودها في المكتبات الحكومية، وتشتد الحاجة إلى إعادة طباعتها. ومن المدينة المنورة يأتي صوت الناقد النابه الدكتور محمد الدبيسي الذي يلوم فيه الأجيال الجديدة في حرصها الشديد لما تقذف به مطابع الغرب من المنتوج الأدبي والنظريات المعرفية الحديثة ويضيف أيضاً: ثمة ضرورة معرفية وأخلاقية لتفادي ما يشبه القطيعة بين الجيل الحالي والأجيال اللاحقة مع موروثها الأدبي والفكري الحديث. وفي الحالة الوطنية المحلية؛ فإني أقصد ب(الحديث): طلائع الإنتاج الأدبي والفكري قبيل وفي بدايات تأسيس الكيان الوطني/المملكة د. الدبيسي: الخطراوي وبافقيه أكبا على جمع وتحقيق ونشر طرف من إنتاج الرواد العربية السعودية، حيث واكبت مرحلة التأسيس تلك- وتلتها حركة أدبية وثقافية نشطة ورائدة، قادها الرواد المؤسسون من أدباء الحجاز، وظل إنتاج أولئك الأدباء محصوراً بين النخب التقليدية، ودوائر الأكاديميين والباحثين لأغراض علمية وبحثية ذاتية محضة، أو مطوياً منسياً ضمن تركتهم العائلية؛ فيما كان أمر العناية به ومسئولية نشره في مجال جماهيري أوسع؛ مناطاً بمؤسسات قدَّرته فرضاً كفائياً ضاع من يتحمله تكليفاً عينياً، في زحمة المراحل وتجدد الاهتمامات وفوضاها، لدى الأجيال اللاحقة التي كان لها مايشغلها من القضايا والاهتمامات الجديدة، في ظل نزعة مهووسة بالمستورد والمعرَّب من المنتوجات الأدبية والاكتشافات النظرية المعرفية الحديثة و(موضاتها). ومحاولة اللحاق أو مجاراة المواقع المتقدمة للمراكز الثقافية العربية التقليدية، التي وسعنا رضىً أن نقتات موائدها، على ما فيها من وفرة وثراء معرفي أحياناً كثيرة، وهو ما كان أحد أسباب تغييب إنتاج تلك المرحلة الأدبي الوطني، وشبه الجهل به أو القطيعة معه كما أسلفنا. ومن الطريف في هذا المقام أن كتاباً ك(التيارات..) لعبدالله عبدالجبار، ظل رهيناً للتبادل الفئوي من خلال نسخة مرقومة على الآلة الطابعة القديمة، منذ ما يقارب من ثلاثين عاماً، ولم يعاد إخراجه مطبوعاً ككتاب، إلا منذ سنوات قليلة. وذلك شاهد على أن إخراج ونشر إنتاج ذلك الجيل المؤسس؛ يعد ضرورة حتمية لتبيان وكشف أنساق وسياق خطابنا الأدبي والتعرف على جوهره وتمثلاته النصية؛ فكره ومضامينه ومؤثراته ومستواه، ولقياس وتقدير مراحل النمو والتطور والانقاطاعات أو التراكمات والتنوعات في ذلك الخطاب. ويجدر أن نشير هنا إلى أن الجيل الثاني من الرواد قد وعى ضرورة كهذه، على نحو ما فعل العلامة الخطراوي عندما أكبَّ على جمع وتحقيق ونشر طرفاً من إنتاج الرواد المدينيين الشعري والسردي. وتبعه في هذا الاتجاه الأستاذ حسين بافقيه، الذي وسَّع من دائرة التعاطي مع ذلك الإنتاج، إلى تقديمة برؤية نقدية مصاحبة. ولأننا لا نعوِّل كثيراً على جهد مؤسسي يولي اهتماماً بهذا الجانب، ولأن الرعاية أو المظلة المؤسسية تتنافى أحياناً مع الشرط الأدبي والإبداعي، فإن الجهود الفردية الجادة كفيلة بدور حتمي وضروري كهذا، يعيد الاعتبار ويجسر الهوة بيننا وبين بدايات حركتنا الأدبية وبعض نماذجها الثرية والمتنوعة. أما الكاتب المكي الأستاذ نبيل عبدالسلام خياط رئيس تحرير مجلة الأهلة فيشدد على أهمية حفظ هذا الإرث الثقافي لروادنا وتحدث أيضاً: لأدبائنا الرواد دور كبير في التأسيس لثقافتنا، وفي توسيع رقعة معرفتنا، وفي تنوير مجتمعنا بما قدموه من نتاج، وما أصدروه من صحف ومجلات، وكتب وإصدارات.. ولهذه الآثار قيمة خاصة تتجاوز ما تحتويه إلى دورها في السياق التاريخي للثقافة السعودية.. خياط: أدبي مكة وأدبي جدة واثنينية الخوجة لهم أدوار رائدة في إعادة طباعة كتب الرواد وقد صدر معظم نتاج الرواد قبل عشرات السنين، وهو غير متوافر إلا في كبريات المكتبات العامة، وربما في بعض المكتبات الخاصة لبعض المهتمين، لذا تجد الكثير في مجتمعاتنا وخاصة من الجيل الحالي لا يعرفون عنها شيئاً. والدعوة إلى إعادة إصدار كتب الرواد القيمة دعوة هادفة ومخلصة، لما فيها من حفاظ على هذا الإرث الفكري والثقافي والأدبي، وتعريف الأحفاد بما قدمه الأجداد من عطاء نافع شكل الأرض الصلبة لمسيرتنا الحضارية والثقافية التي أضحى لها حضورها القوي في المحافل العربية والدولية. ومثل هذا المشروع يحتاج إلى جهود الجامعات، والأندية الثقافية والأدبية والمؤسسات الخاصة والرسمية، لما يحتاجه من تمويل، ولجان واعيه لاختيار الصالح والنافع من هذه الآثار وإعادة إصدارها. ولقد أحسن نادي مكة الثقافي الأدبي حين أصدر قبل أربع سنوات، باهتمام خاص من رئيسه السابق الدكتور سهيل قاضي، أول روايتين سعوديتين للأديب المكي الراحل حامد دمنهوري، وهما (ثمن التضحية) و (مرت الأيام).. كما أحسن النادي الثقافي الأدبي بجدة بإعادة إصدار(قمم الأولمب) للأديب الرائد الراحل محمد حسن عواد، بعد أربعين عاماَ من صدور الطبعة الأولى.. كما لا يفوتني التنويه بالدور الرائد والكبير لأثنينية الشيخ الأديب عبد المقصود خوجه حيث لم يختصر أثنينيته على تكريم المبدعين والمتميزين فحسب بل تعدى إلى مرحلة التوثيق بجمع ورصد أعمال الأدباء والمفكرين وإعادة اصدار مؤلفاتهم، سواء بالنشر الورقي أو الإلكتروني، وإتاحتها للدارسين والباحثين والمهتمين، داخل البلاد وخارجها، وهو دور ثقافي تنويري يجب الإشارة إليه، والإشادة به. والمطلوب من بقية الأندية والجامعات والمؤسسات تكريس الاهتمام بهذا الجانب حرصا على إرثنا الثقافي والفكري، وتقديراً وتذكيراً بأولئك الأدباء الرواد ودورهم الكريم، وما بذلوه من جهد عظيم. واختتم هذا المحور برؤية للباحث والكاتب الأستاذ حسين الشيخ الذي يلقي الضوء على حركة الفكر والثقافة في شرقنا الجميل وبعثاته العلمية التي أفرزت جملة من المؤلفات وقال أيضاً: من الظواهر الاجتماعية التي عرفها المجتمع العربي قديمًا ما يمكن مقاربته اليوم بالبعثات الشيخ: إحياء كتب الرواد من جديد يجسر العلاقة بين الماضي القريب وعصرنا الراهن العلمية، وهو ما يمكن اقتناصه من حادثة بَعْثِ النبي (ص) في طفولته بصحبة مرضعته حليمة السعدية إلى قبيلة بني سعد، وذلك اتّباعًا لسنّة اجتماعية كانت رائجةً حينها، ينشأ فيها العربيّ على فصاحة اللسان الآتية من معاشرة أعراب البادية، وكذلك على الطباع العربية، وبخاصّة ما يرتبط منها بالفروسية وركوب الخيل، لمشاركة العربي لاحقًا في الحروب والإغارات طمعًا في الماء والكلأ. وهي ظاهرة امتدّت إلى العصر الحديث الذي عُرِفَت فيه بعض الحواضر العربية بتفوّقها ثقافيًّا وعلميًّا على بقية نظيراتها العربيّات. فكان الأدباء والمفكرون العرب كثيرًا ما يرتحلون في بدايات تكوّنهم الأدبي والفكري إلى تلكم الحواضر، نَهْلاً منها، ومشاركةً في النهوض بواقعها الثقافي النَّشِط. فعُرِفَت من تلكم الحواضر: القاهرة، وبغداد، ودمشق، وبيروت. تُشَدُّ إليها الرحال طمعًا في منتدياتها الثقافية ومعاهدها العلمية، ومجلاّتها الفكرية والأدبية، ورجالاتها القائمين على تلكم الحركة الثقافية الرائدة. ولم يكن رجالات شرقي الجزيرة العربية بدعًا من ذلكم الحِراك، فارتحل العشرات منهم إلى تلكم العواصم الثقافية، فكان من أوائلهم سلمان الصفواني (من صفوى إحدى نواحي القطيف) الذي أصدر من بغداد صحيفته (اليقْظَة) عام 1924م، وتبعه محمد حسن بن ناصر النمر العوامي في إصدار جريدة (البهلول) سنة 1932م/ 1350ه، كما شارك كلٌّ من مهدي الجشي وإبراهيم المحروس وأحمد بن حسين السنان في تأسيس نادي العروبة الثقافي بالبحرين سنة 1939م/ 1357ه. وإلى جانب بغداد والمنامة، كان العشرات من القطيف والأحساء يرتحلون طلبًا للعلم الشرعي في مدينة النجف بالعراق، ولغلبة الجوّ الأدبي هناك بجانب العلوم الشرعية، شارك العديد منهم في حركتها الأدبية، فصدر من الأعمال الأدبية الرائدة في حينها كتاب طرفة بن العبد للأستاذ عبد العلي يوسف آل سيف سنة 1968م، وكتابه (القطيف وأضواء على شعرها المعاصر) سنة 1971م، حيث يعدّ الأخير منهما مصدرًا أساسيًّا في دراسة الحركة الأدبية في القطيف، وينضمّ إليه رصيفه (ساحل الذهب الأسود.. القطيف) للأستاذ محمد سعيد المسلم الذي صدر سنة 1962م. لقد كان لهذه المشاركات مؤلّفاتٍ مستقلّةً ومجلاّتٍ دورٌ في تنشيط الحركة العلمية والأدبية في حينها، وإن للمشاركة في جمعها وإعادة إحيائها من جديد دورًا مهمًّا في التأسيس النظري لهذه الحركة، وتجسيرًا للعلاقة بين الماضي القريب وعصرنا الراهن.