إيقاع الحياة يتطور بشكل مطرد، وتحدياتها تتجدد وتتعاظم، ومستجداتها تتوالى بانتظام؛ وهذا يحتم أن تتطور كذلك منظومة القيم والمفاهيم ووسائل مجابهتها، وألا تقف هذه المنظومة عند حدودها الضيقة والتقليدية، بل لا بد أن تتسع لتشمل آفاقاً أرحب، ومساحات أكبر، وقضايا ذات نطاق أوسع، وتستوعب التحديات والمستجدات كافة، وتمتلك حلولاً للمشكلات الطارئة والمتجددة. فمثلاً، المسؤولية الاجتماعية ينبغي أن تتسع قاعدتها ومظلتها ومفهومها؛ حتى تلامس قضايا العصر، وتضمد جراحات المجتمعات، وتكون جهودها ونظرتها أكبر من مجرد التوعية والإرشاد والإسهام في الجوانب الإنسانية والاجتماعية في محيط المجتمع المحلي؛ لأن التحديات كبيرة، والأضرار الناجمة عنها خطيرة ومهلكة، وضحاياها ليسوا فقط في الحدود القطرية لكل دولة، بل شملت العالم أجمع، وسكان الكرة الأرضية يئنون أمام خطر الأفكار المنحرفة، والسلوكيات البغيضة، والمعتقدات الفاسدة، والمفاهيم المحيرة التي تدعو للهلاك والدمار ومعاداة الإنسانية والحياة والتنمية والتقدم، بل معاداة الأمن والاستقرار والبناء، ومحاربة كل جميل على وجه الأرض. هكذا يتنامى دور المسؤولية المجتمعية الدولية، وتتسع لتشمل القضايا الملحة، والمشكلات العصرية، والمهددات الأمنية والفكرية والعقائدية، وتجابه كل خطر يهدد جهود الارتقاء بحياة الشعوب والحفاظ على أمنها وحياتها واستقرارها وراحتها وكل ما يعادي الإنسانية. هذه الفكرة تطرح سؤالاً منطقياً: مَن المسؤول عن سلامة الأمن الفكري العربي والدولي وحصانته وحمايته من المهددات والتلويث والتضليل؟ ومَن المسؤول عن التصدي لظاهرة الأفكار المنحرفة وثقافتها المرعبة التي تستهدف الصغار قبل الكبار إناثاً وذكوراً، والتي باتت تلقي بظلالها على الحالة الأمنية في خارطة واسعة من العالم، وينعكس أثرها على مختلف جوانب الحياة؟ هذه الظاهرة باتت تنتشر وتتمدد بخبث كالسرطان في أركان الوطن العربي، وهي لا أصل لها ولا دين ولا عقيدة، ولها أوجه عدة وجملة مسميات وألوان مختلفة، لكن المضمون واحد، هو فكر التدمير والتكفير ومعاداة كل جميل، ومحاولة وقف عجلة الحياة، وتشغيل ماكينة الموت ونشر ثقافة القتل التي لا تستثني مدنياً ولا رضيعاً ولا سائحاً ولا غيره. و"داعش" نموذج واقعي لهذا الفكر والاعتقاد الفاسد ونظرة سوداوية للحياة. وإذا سألت أحد هؤلاء القتلة ماذا تريد من هذا السلوك لن تجد عنده إجابة ولا فكراً ولا رؤية ولا حلولاً لمشكلات الحياة، فقط هو مجرد ترس في ماكينة الموت والدمار. وقد انتشر هذا الفكر، وتمددت هذه الثقافة حينما وجدت صمتاً من المجتمع الدولي، أو إدانة ومجابهة خجولة هنا وهناك. دور المملكة العربية السعودية كان واضحاً وبارزاً وحاسماً وحازماً في هذا الجانب؛ إذ درست السعودية الظاهرة، وقرأتها قراءة دقيقة وصحيحة، وتعاملت معها بأسلوب الحزم والمناصحة والسعي لبتر الظاهرة من جذورها، وكانت مثالاً ونموذجاً لمنهج مواجهة الإرهاب، ونجحت في ذلك. ومن المسؤولية المجتمعية الدولية الاستفادة من تجربة السعودية، والتعامل الجدي المنهجي مع الظاهرة بحيث يقوم الإعلام بدوره التوعوي، وليس فقط بنشر أخبار القتل والتدمير والعمليات الإرهابية التي يتوهم أصحابها أنها بطولات جهادية، لكنها سلوكيات شيطانية معادية للإنسانية وللحياة. ويبدو في هذا الشأن تصريح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بأن الإرهاب إذا لم يواجَه بجدية وحزم سيصل إلى كل مكان، بمنزلة محاولة لإيقاظ الأمة، وتنبيه زعماء العالم للقيام بدورهم، وهو أيضاً حث للمسؤولية الدولية للاضطلاع بواجبها تجاه هذه الظاهرة المدمرة، وهي لفتة نابعة من حكمة وتجربة ورؤية عميقة للأمور، وهي ذات الرؤية التي جعلت السعودية تنجح في تجفيف منابع الإرهاب في وقت وجيز، وبمنهجية محكمة، وبقوة أيضاً. الإرهاب ما زال يتحرك في المنطقة، يتلون ويتورم ويغير مسمياته، ويحرق الأخضر واليابس، لكن مضمونه القتل والفناء والإبادة، والعالم ما زال ينظر وينقل الأحداث ويضخمها دون تقديم حل ناجع، يضع نهاية لهذه الظاهرة التي لا تستطيع أن تصمد لساعات لو وقف العالم كله وقفة واحدة، وواجه عصابات الموت بقوة وحزم. وهذه مسؤولية المجتمع الدولي اليوم.