كثرة الحديث عن الوطنية، وتعدد الجهات التي تتبنى ــ نظريا ــ الاحتفاء بهذا المصطلح وتدعي حرصها على زرع بذرته أو تصحيح الانحرافات التي تشوبه أو توضيح الملتبس في مفهومه، حالة تجبرنا على التساؤل: هل لدينا مشكلة في هذا المفهوم الجوهري؟؟.. الجواب: نعم، وهو جواب تفرزه اختلالات الواقع الذي تتردد فيه هذه المفردة، وتشوهات التطبيق، بل غيابها أحيانا، جهلا بها أو تسفيها وإنكارا لها.. هناك جانبان أو عنصران لكي ينشأ هذا المصطلح بصورة صحيحة ويمكن ترجمته إلى ممارسات عملية، جانب فكري، وجانب يمكن توصيفه بالإجرائي أو التطبيق، أو القانوني بصورة أشمل وأدق، وكلاهما يتداخلان ويتعالقان كسبب ونتيجة، أو كمدخلات ومخرجات، أو ربما كطرفي معادلة رياضية أو كيميائية لا تتحقق المحصلة المتوقعة إلا بوجودهما معا.. فكرة الوطن والوطنية تعرضت للابتسار والتمييع والتذويب والتهميش، وحتى الإلغاء، في مستويات عديدة، من التعليم بكل مراحله، وفي كثير من مكونات الخطاب المتشدد، سواء الوعظي المباشر أو الثقافي المتفرع منه، وهنا لا بد من التأكيد أن المقصود بالخطاب الفكري تحديدا هو الخطاب المسيس الذي تتمثل فكرته المركزية في مفهوم الأممية التي لا حدود لها، وتكريس هذا الخطاب بإصرار ودهاء وباستخدام كل الوسائل في المجالات التي أمكن اختراقها وإحكام السيطرة عليها. وإذا كان المنتمون إلى هذا التيار استطاعوا المراوغة والتنصل من هذه الحقيقة وقتا طويلا، فإنه لم يعد بإمكانهم ذلك بعد أن أسقطت الفترة السياسية التي تمر بها بعض الدول العربية كثيرا من الأقنعة وكشفت الوجوه والأفكار والنوايا على حقيقتها. ولذلك لا بد من إعادة تشكيل الفكرة الصحيحة للوطن وعن الوطن بتنظيف كل الساحات والمنابر المخترقة من كل التشويه الممنهج لفكرة الوطنية، وإلا فلن يتحقق شيء مهم.. أما الجانب الإجرائي أو القانوني، فهو ضبط الالتباس في معادلة الحقوق والواجبات، وترسيخ المساواة بإلغاء كل ما يؤدي إلى التمايزات التي يمارسها البعض. الكفاءة والمقدرة والإخلاص في العطاء للوطن هي ما يجب أن يكون معيار الوطنية وميزانها، ومقياس المردود على من يمارسها بنزاهة. وكذلك يجب أن تسعى التنمية الحقيقية بكل أشكالها وبالتساوي، فلا يجب أن يكون هناك مركز وطرف بينهما بون شاسع، ولا يجب أن يشعر مواطن أنه في آخر القائمة وغيره في مقدمتها. أقول هذا الكلام وأيام قليلة تفصلنا عن احتفالية اليوم الوطني لوطن يعيش تماسكا قويا وأمنا وارفا في مرحلة تاريخية دقيقة وخطيرة تحيط بما حولنا، وتجبرنا أن نراجع كل الالتباسات بصراحة وصدق وإخلاص؛ ليكون وطننا أقوى وأجمل. habutalib@hotmail.com للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة