في أحد اللقاءات اقتربت مني سيدة فاضلة طالبة مني أن أستمع منها لقصة إحدى قريباتها، جلست معها على انفراد وبدأت تسرد ما لديها: عاشت قريبتي نجوى قصة صراع مؤلمة مع الحياة، وكأنهما في خصام لا يفتر، أو إن شئت في حلبة سباق لا نهاية لها، عانت القسوة من أب متسلط انتزعت الرحمة من قلبه، ومن زوجة أب لم تكن تدخر وسعا في إذكاء نار الكراهية في قلب الأب تجاه ابنته، ومن ظلم زوج أمها وضيقه بها ذرعا وطرده لها في كل مرة تحضر لزيارة والدتها، ولأنها مجرد حمل ثقيل في نظرهما فقد تم تزويجها من أول خاطب. ومع الأسف كان شخصا يفتقد أبسط مقومات الزوج الصالح، كانت صرخات ظلمها مجرد صدى لا يسمعه أحد سواها، زوج يشرب المسكر حتى يثمل ثم يجعل جسدها وأجساد أطفالها مسرحا "لسوطه"، إلى أن فاض بها الصبر والتصبر، فقررت أن تطلب الطلاق، وفعلا قام بتطليقها وطردها من المنزل هي وصغارها الأربعة في أحد أيام رمضان، ولأنها لم تكن تملك سوى القليل من "الجنيهات" فقد اشترت "رغيف عيش واحدا" واقتسمته هي وأطفالها الأربعة حين أذن مغرب ذلك اليوم الذي كان هو البداية الحقيقية لحياة هي من اختارت خطوطها العريضة بفضل الله تعالى. سارت بها الحياة وسارت معها إلى أن تخرج أبناؤها الأربعة من الجامعات وتزوج بعضهم، وهي حامدة شاكرة لربها الذي منّ عليها بالفرج والصبر والرزق. العبرة في هذه القصة تكمن في أن هذه المرأة المكافحة قررت أن تقوم بالبحث عن والدها الذي طردها وأغلق أبوابه في وجهها واشترى منزلا لم تكن تعرف عنوانه، حتى تؤدي حق الله فيه وتبره وتخدمه، وفعلا وجدته في حاجة ماسة إليها بعد أن تخلى عنه أبناؤه الذين عاشوا الترف والدلال في كنفه. والعبرة الأشد تأثيرا أن زوج والدتها الذي كان يضيق هو ومنزله بها ذرعا، عاني المرض وكانت هي تلك الابنة المتفانية التي وقفت بجانبه بكل محبة ورعاية دون أن تلتفت لذكريات تعيسة مضت. حين انتهت تلك السيدة من سرد قصة قريبتها كنت حقا مصدومة من حجم السلام الداخلي الذي تعيشه تلك المرأة التي تخلى عنها الجميع، كم شخصا منا يستطيع أن ينتصر بداخله على رغبة التشفي والانتقام ورد الإساءة بمثلها، ويسمو مثل هذه المرأة الفاضلة! نقلا عن الاقتصادية