تداعى إلى ذهني وأنا أتسلل بين كم كبير من الحواجز الخرسانية يوميا، وكثير من الإعاقات او المطبات الصناعية.. أننا ربما نسمع قريبا عن الإدارة بالحواجز أو الإدارة بالعقبات. وإذا كانت مشاريع الصرف الصحي او الانفاق وبقية الخدمات مشروعات خير ننتظر انجازها بفارغ الصبر لننعم بطريق آمن وسالك.. وخدمات جيدة.. إلا ان المزعج هو ذلك الكم من الاعاقات او المطبات الصناعية، بالإضافة الى اقفال العديد من فتحات الجزر الوسطية حتى تمتد مسافة "السكة" لأبعد نقطة من اشارة مرور إلى أخرى قد تستغرق عدة كيلومترات!! وليس هذا من اجل تلك المشروعات، ولكن من اجل تلافي مخاطر العابثين بهذه الشوارع والبارعين في استغلال الثغرات. تأملت سهولة الحل الاداري الجاهز بالحواجز والعقبات لإيقاف بعض الممارسات الخطرة كالتفحيط او تجاوز انظمة المرور او تعدد الحوادث في مناطق معينة لتزيد الازدحام بلة وترهق العابرين وتراكم السيارات في سباق لتجاوز حواجز الاغلاق. العجز عن تطبيق نظام أو التراخي في تطبيقه يدعو للتفكير مليا في البحث عن وسيلة أخرى تبرع فيها عقول فطرت على العلاج بالحواجز والعقبات بعد فشل أو تراخي المنظومات تبدو فكرة حلول تلافي السلبيات سهلة وبسيطة في عقل من يقرر الاغلاق، فكل مشكلة مرورية في مفصل ما من شوارعنا حلها جاهز بالحواجز والاغلاق والعقبات؟ هذه النزعة في اتخاذ قرارات الغلق، ليست جديدة ولكن التوسع فيها جعل مدينة الرياض مدينة المسافات الطويلة.. هدر للطاقة النفسية والجسدية وانهاك للمركبة وحرق المزيد من الوقود والاعصاب لمجموع بشري سكاني كبير يدفع ثمن تجاوزات عقول صغيرة جعلت شوارعنا مسرحا للعبث واللامعقول! ومن براعة ادارة المرور أن ينتشر ساهر لرصد مخالفات السرعة على الطرقات وعند الاشارات، ويختفي رجل المرور عن كثير من مواقع الاختناقات في اوقات الذروة التي لا تتطلب سوى تنظيم لعدة ساعات يجسد سلطة رجل المرور عبر الخدمة بالتنظيم، وفرض النظام وليس فقط بحاجز عابر لفحص رخصة قيادة او مركبة. المشكلات المرورية ستظل قصة يومية لمدينة تكتظ بمئات الالاف أو ملايينها من السيارات، طالما ظلت عقلية الادارة بالحواجز والعقبات هي الوسيلة الاسهل لعلاج صداع التجاوزات أو الاختناقات المرورية. وليست القصة قصة مرور فحسب، فمثلها كثير.. انما هو مدخل لتأمل أسلوب معالجة يبدو شائعا لدرجة الانهاك. وعليكم أن تتأملوا كيف تبدو معالجة الأزمات بالحواجز أو معالجة الظواهر السلبية بالعقبات أو معالجة إخفاق تطبيق نظام على طريقة وضع الحواجز أو المصائد. إنه نوع من التفكير الاداري الطاغي الذي جعل اولى خطوات معالجة الخلل في الاداء او الاستحقاق وضع المزيد من العقبات والحواجز! لقد قيل لنا إن الاداري البارع هو من يفكر خارج صندوق العقبات بالبحث عن اسباب الفشل لمعالجتها دون ان يسبب مزيدا من المشكلات الاخرى التي ربما يترتب عليها مخاطر او ازمات تدفع للبحث عن حلول أخرى.. وهكذا.. والتي ربما كانت بدورها عقبات ايضا او اشتراطات معقدة.. حتى يصبح مسار العملية الادارية لتقديم خدمة ما، أشبه بلعبة اللوغو التي تدخلك في دوائر معقدة قد تسقطك قبل ان تصل خط النهايات. ويبدو ان ظاهرة العلاج بالعقبات ليست ادارية فقط، إنها ثقافية ايضا. فالأب - على سبيل المثال - قد يعالج مشكلات ابنه بوضع مزيد من القيود على حركته، وقد يسن نظاما صارما لصد اندفاعة مراهق عبر المنع والتعطيل والحجز.. إلا أن ما يغيب دائما محاولة فتح قنوات اتصال مع عقل يتفتح على الدنيا بثقافة رفقة ليس من بينهم من بلغ الرشد الذهني والسلوكي. وقد يكون مفهوما ان بعض العقبات وسائل اجرائية تضمن درجة الاستحقاق.. إلا ان بعضها خطير عندما يصبح وسيلة للإغلاق ومحرضا على قفز الحواجز وانتهاك النظام.. فهو في نظر البعض نظام جامد مغرق في سد الابواب دون ان يلتفت لأهمية التحفيز عبر فتح نوافذ الحياة. في كل مجتمع هناك أفراد او مجموعات تحاول تجاوز النظام من خلال النفاذ من الثغرات، ولذلك يجهد المشرعون لسد هذه الثغرات.. إلا ان المشكلة ان هؤلاء قد يمارسون ايضا نوعا من التقييد لمجموعات واسعة تلتزم النظام، وترى أهمية المحافظة عليه وأن تجاوزه خطر ماثل عليها وعلى غيرها. المشكلة ليست في سد تلك الثغرات، ولكن في اخذ المجموع الكبير بممارسات الفئة القليلة التي تتقن فن التجاوز. وفي المنظومة الادارية، يهمين عقل العلاج بالعقبات الوسيلة الاكثر استخداما، عوضا عن ممارسة نوع من التفكير الخلاق الذي يضمن العودة للنظام ومعالجة ثغراته عوضا عن مزيد من العقبات التي ربما تكبل الجميع بقيودها وربما اضرت حتى بالأهداف التي من اجلها وجد النظام ذاته. هذا التجريد يمكن اسقاطه على كثير من المعاملات، وعلى كثير من النظم القائمة، وعلى العقلية الادارية سواء في حقل المجال العام او المجال الخاص. أدعو الاداريين أن يبحثوا اليوم في إمكانية صك مصطلح الإدارة بالعقبات- إذا لم يكن موجودا - فالمفهوم الإداري الذي حشوا عقولنا فيه زمنا طويلا من أن الإدارة الجيدة تبدأ بإزالة العقبات ورفع الحواجز وتسهيل الحركة بين منظومات العمل في أي منشأة من أجل تسيير دفة العمل على وجه أفضل وتحقيق إنتاجية عالية.. ربما لم يعد يعمل وقد يكون مصابا بالعطب. راقبوا ما يحدث أحيانا عندما تطل مشكلة في الأفق في قطاع من القطاعات سترون أن هناك من يبرع للعلاج بالعقبات من اجل منع التجاوزات، ويبالغ بها. وهو حل مكلف ومعطل، إلا انه جزء من فقه إداري غير مكتوب يشبه التوسع في فقه سد الذرائع حتى لو سد باب الرزق الذي يقيم أود الحياة. تستدعي طريقة المعالجة بالحواجز الخرسانية واعاقات الطرق الصناعية، التي لا غرض لها سوى سد باب ذريعة المساحة المتاحة للتفحيط او التجاوزات المرورية، توظيف هذه الملكة لسد باب التغول على الحق العام وذلك عبر سلسلة إعاقات تجعل مهمة المتجاوزين ووكلائهم صعبة ومعقدة. أليس الفساد الاداري تغول على حق أو مال عام يتطلب المزيد من فرض الاعاقات لمنع وصول المال او المنفعة او المصلحة لغير مستحقيها. العجز عن تطبيق نظام أو التراخي في تطبيقه يدعو للتفكير مليا في البحث عن وسيلة أخرى تبرع فيها عقول فطرت على العلاج بالحواجز والعقبات بعد فشل أو تراخي المنظومات.