حينما نتأمّل تجربة إبداع الطفل ومواهبه وأعماله العقلية واليدوية، ندرك أنه كالنبتة الصغيرة التي هي بحاجة إلى مزيد من الغذاء والهواء والضوء والبيئة الصحيحة، فالتجربة الغضة بحاجة فعلاً إلى تعاضد في البناء والعمل من أجل تحقيق المشروع الإنساني للطفل، على نحو تكامل وتعاون الثالوث المهم المتمثل في الأُسرة، والتعليم، والمجتمع. فللأسرة دور مهم في بناء شخصية الطفل واكتشاف مواهبه وعناصر تميزه في الإبداع والابتكار والتطوير، ومن ثم يأتي دور التعليم الذي يمكن لنا أن نتوقف عنده باعتباره منعطفاً مهماً في مجال ثقافة الطفل وتشكل وعيه وثقافته وتفتق مواهبه وإبداعاته التي ستسهم في خدمة المجتمع وبنائه. فمع مراحل التعليم الأولى لا سيما التعليم النظامي، بزغت فكرة مادتي (الرسم) و(التعبير) في المناهج النظامية قبل عقود، إلاّ أنّ هذه الأفكار المستنيرة لم تحقق أهدافها فيما يبدو نظراً لتدخل المجتمع المتوجس آنذاك من كنه هاتين المادتين، مما تسبب في تهميشهما وجعلهما غير فاعلتين، ولا تدخلان في التقييم النهائي، حيث تم اختزالهما في وضع هامشي، ومن قبيل تحصيل الحاصل ولم يتم تطويرهما على نحو المواد والمناهج الأخرى كالرياضيات والعلوم والجغرافيا وسائر المعارف الأخرى. وهذا الأمر نجده من الأسباب الحقيقية لقلة الإنتاج الأدبي للأطفال، أو ندرة شغفه بالقراءة والرسم والتلوين بشكل واضح، والسبب قد يعود إلى أنّ نمطية التناول على مدى عقود حتى انعكس على مسيرة التـأليف الأدبي في هذا المجال المتعلق بالطفولة، فأصبح الكُتَّاب يعزفون عن تقديم ما لديهم من أفكار في مجال ثقافة الطفل نظراً لما استشرى من مفاهيم تؤمن بالتلقين، حيث لا تمنح هذه الأساليب للطفل أي خيار في التعبير أو الرسم، وإن وجد فإنه من قبيل التناول الشكلي الذي تظهر فيه صنعة الكبير.. حتى أصبحت التجربة الكتابية نادرة أو من قبيل التجريب، أو المغامرة غير المأمونة لغياب الدعم المعنوي والمادي الحقيقي. إلاّ أنّ التعاطي مع الحالة من منطلقها الشكلي، تمثل في النشر التجاري الذي يراد فيه الكسب المادي من خلال تسويق كميات من المؤلفات تسد الحالة الاستهلاكية، فرغم وجودها إلاّ أنها لم تحقق أي مردود معنوي ينعكس على الطفل بوصفه المتلقي الأول لمثل هذه الأعمال القصصية والحكايات المدعمة بالصور الملونة. فلا يمكن للطفل أن يكتسب هذه المقومات الإبداعية والجمالية، ما لم يكن للأسرة دور واضح في تكوينه وتوجيهه، والعمل الدائب على جعله عضواً نافعاً في الحياة من أجل أن يتفاعل مع المجتمع، الذي يُعد الضلع الثالث في هذه المعادلة الحياتية المهمة لهذا الطفل الذي سيترك حتماً هذه التجربة، ويقدمها كخبرة لمن بعده من الأجيال. فحينما تلبى حاجات الطفل بشكل مميز وفاعل ومتوازن فإنّ الطفل سيقوم بترجمة ما شاهده، وما اختزنه في أعوامه الأولى، وسيفرغ شحنته الإبداعية الأولى بشكل مبهج إلا أنه يحتاج - كما أسلفنا - إلى متابعة ومثابرة ودعم وتحفيز.