نحن في زمن عجيب يمكن أن يرسل فيه شاب في مقتبل العمر مقطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي مصحوبا بعبارة (نعتذر لاحتواء المقطع على الموسيقى) ثم يرسل بعده مباشرة مقطع فيديو لعملية حز رأس قام بها أحد الإرهابيين دون أن يفكر بالاعتذار، لا تتعب نفسك وتتساءل: كيف أصبحت الموسيقى تجرح المشاعر بينما صرخات إنسان برئ تمزق السكين رقبته مبعثا للفخر؟، فمثل هذا السؤال سوف يقودك إلى غابة من الحقائق المتشابكة التي صنعت هذا الواقع المقلوب وأعادت تأسيس الضمائر بما يتناسب مع الروح الظلامية المتوحشة الغارقة في بحر من العزلة وكل ذلك تحت غطاء الدين للأسف الشديد. جاء الدين لتحصين ضمائر البشر وإنقاذهم من النزعات الوحشية الكامنة في أعماق النفس، ولكن عشاق السلطة وتجار الدين وكذلك المهزومين الذين لا يملكون حلولا لمشاكلهم المتراكمة ينجحون دائما في تحوير تفسيرات الدين كي تتناسب مع خططهم ومصالحهم في هجمة منظمة على العقل حتى ينسحب الشيء أمام اجتياح نقيضة. فالمعرفة تنسحب أمام الجهل والعلم ينسحب مفسحا المجال للشعوذة والفن ينسحب أمام الخرافة والرحمة تنسحب أمام دعوات القتل المسعورة وهكذا تصبح الوحشية ثقافة عامة تنبذ كل المتشبثين بإنسانيتهم وتلاحقهم بتهم التكفير والانسلاخ ليس من السهل تحويل الإنسان إلى وحش، الأمر يختلف عن ما يحدث في قصة (الإنسان الذئب) التي يتحول فيها الفتى الوسيم إلى الصورة الذئبية بمجرد ظهور القمر، فكي يكون الإنسان قادرا فعلا على الاحتفال بمشاهد القتل وهو مرتاح الضمير فإنه يحتاج إلى سنوات من التدجين الفكري التي لا تستهدفه وحده، بل تستهدف المجتمع بأسره، هكذا يكون الانتقال السلس إلى الوحشية مصحوبا بالتشجيع ومستمدا من الثقافة العامة التي أعيدت صياغتها في معامل الظلام كي يسهل على الذئاب الحقيقية ابتلاع القمر!. لذلك تفشل دائما كل محاولات العودة إلى العقل لأنها محاولات بائسة تركز دائما على معالجة الفصل الأخير من القصة دون العودة إلى الجذور الحقيقية التي شكلت الأساس في عملية إعادة برمجة الضمائر، وقلب المفاهيم حتى تحول الشر إلى خير والخير إلى شر في أذهان ملايين البشر. فالذي يحز الرأس في مقطع الفيديو هو شخص واحد. أما الذين يتناقلون المقطع فهم كثيرون الذين تم تزويدهم ذهنيا بعشرات التبريرات التي تجعل عملية قتل إنسان آخر مسألة طبيعية، بل وضرورية كي يحظى أبناء الثقافة السوداء بانتصار زائف أمام سلسلة من الهزائم الكبرى التي حدثت أساسا لأن هذه الثقافة تخلت عن العقل والعلم والضمير والإنسانية فأصبحت معزولة وعاجزة عن إدارة المواجهة الحقيقية ما سهل على الثقافات الأخرى اكتساحها واستباحتها!. نقلا عن عكاظ