أبها علي فايع في الوقت الذي كان فيه مدير عام الأندية الأدبية السابق، الأمير سعود بن محمد، يشكر أصدقاءه في «فيسبوك» من المثقفين والأدباء، الذين باركوا له العمل الجديد، لم ينسَ أن يتحدث عن تجربته في إدارة الأندية الأدبية، حيث يوضح أنها -رغم قصرها- جعلته يلمس واقعنا الثقافي والمسافة البعيدة التي تفصلنا عن العالم في النواحي الثقافية والفنون بشكل عام. ويقول إنه مع الأيام خرج بقناعة أنَّ الأندية الأدبية قامت بدورها خلال أربعين عاماً من الزمن وساهمت بفاعلية في الفعل الثقافي في الوطن، لكنَّه يعتقد أنَّ الوقت حان لقيام مراكز ثقافية شاملة تواكب العصر، لافتاً إلى أنه قال هذا الكلام من قبل، وصرَّح به عدة مرات. ويضيف أنّ الأندية الأدبية أدَّت ما عليها، والعصر يفرض نفسه، قبل أن يختم بأمنيته: أن يشاهد في المملكة تلك المراكز التي ترى الألوف من الناس تدخل وتخرج منها كل يوم.ولكن هل يتفق الأدباء والمثقفون في المملكة على أنَّ معضلة الثقافة يمكن أن تنتهي بإلغاء الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون وتحويلها إلى مراكز ثقافية؟! بيئة حاضنة الشاعر حسن القرني يرى أنَّ مثل هذه المراكز والأندية والمناشط الثقافية قبل أن نقيِّمها ونتحدث عن إمكاناتها؛ لا بد أن نتناول مدى جدواها، آخذين في الاهتمام البيئة التي ستحتضنها، لأنَّ مناشط كهذه من الضروري أن تكون لها أرضية من حرية يكفلها النظام ويحميها، ومرجعية مؤسسية تحفظها من تدخُّل اللون الواحد، حسب قوله.ويضيف أنَّ هناك أناساً يرفضون الفنون التشكيلية والموسيقية؛ ويحاربون الإبداع الإنساني، ويخوضون حرباً من أجل البقاء ضد المرأة، «فأرجوك، لا تحدثني عن أي بصيص تفاؤل في هذا الجانب». استقلالية ثقافية أما الكاتب شتيوي الغيثي، فيشدد على أنَّه ليس المهم نوعية وشكل المؤسسة الثقافية، وإنما ما يمكن أن يتحقق من خلالها، «سمِّها ما شئت، مركزاً ثقافياً أو نادياً أدبياً أو جمعية للثقافة والفنون، ففي الأخير، الثقافة واحدة ويفضي بعضها إلى بعض بالضرورة»، ولو اختلفت الأشكال التعبيرية. ويذكر أن الثقافة لا تحدُّها الأشكال أو المسميات التي تتقولب داخلها، وإنما: كيف تتشكل وكيف تسير؟ وما هو الهدف منها؟ وإلى أي مدى تكون؟. ويتابع: وسواء تحولت الأندية إلى مراكز ثقافية، أو لم تتحول، فإن الأهم هو آليات العمل والحرية الثقافية والعمل الثقافي البعيد عن «البشوت» والرعاية الرسمية، أو التدخلات الوزارية، والقمع باسم الدين، أو القمع الإداري من قبل بعض الجهات الرسمية. ويشير الغيثي إلى أهمية الاستقلالية الثقافية والحرية والعمل الثقافي، لأنَّها أهم بكثير من المسميات، مبيناً أن ما أفسد الأندية ليس كونها أندية، وأن مشكلتها لن تنتهي بتحويلها إلى مراكز، بل إن ما أفسدها هو دخول أناس لا علاقة لهم بالثقافة، وكذلك من لديه جزء من الثقافة وجيَّرها لمصالح شخصية، أي أنَّ الثقافة كانت بطاقة عبور لأمور ليست ثقافية. ويقول إن الوزارة مسؤولة مسؤولية كبرى عن هذا الخلل، وإن بقي، فإنه سوف يستمر حتى مع تحوُّل المؤسسات الثقافية إلى مراكز. حل مثالي ويؤيد القاص والإعلامي حسن آل عامر، إنشاء مراكز ثقافية، موضحاً أن المثقفين والأدباء كثيراً ما طالبوا بالمراكز الثقافية، وجعلها البديل العملي والعصري للأندية اﻷدبية وجمعيات الثقافة والفنون، منذ أول يوم جاءت على لسان الوزير السابق إياد مدني. ويضيف أن المنطق يقول إنه كان من المفترض أن تكون كل منطقة إدارية -على اﻷقل- تحوي مبنى يتوسطها مكتوب على لوحته «المركز الثقافي في منطقة»، لكن مع الأسف لم يحدث شيء عملي، سوى البدء في إنشاء أماكن في بعض المناطق قد تكون للحفلات العامة أقرب منها للمراكز الثقافية، «وﻻ نعرف السبب الحقيقي، هل هو سبب مالي، أم قناعات، أم خوف من تجربة ثقافية جديدة؟!». ويتابع: إنَّ تجربة المراكز الثقافية قديمة جداً في كل دول العالم، «بل هي لدينا على شكل نادٍ أدبي وجمعية فنون»، وكل ما في اﻷمر هو جمعهما في مكان واحد وبرؤية أوسع، بحيث يكون المكان مهيَّأً لعروض فنية مسرحية وسينمائية وغيرها. ويشير آل عامر إلى أنَّ المشكلة إذا كانت مالية فهناك عشرات الحلول، لعل أقلها أن تقوم أمانات المناطق بإنشاء المباني وتؤجرها بأسعار رمزية لوزارة الثقافة واﻹعلام، ففي النهاية هي خدمة ﻷبناء وطن واحد، وكل الجهات الحكومية هي في خدمتهم وﻷجلهم. وعن فشل الأندية الأدبية حالياً، يذكر آل عامر أنَّ اﻷمر نسبي، وقد يختلف من نادٍ ﻵخر، وذلك لوجود صراعات على الكراسي في بعضها، مما عطَّل كثيراً من مشاريعها المفترضة، إضافة إلى أن هناك مشكلة أخرى، تتمثل في أن معظم الأندية ليس لديها أي رؤية تخطيطية لبرامجها، بل تعتمد على الصدفة وردَّات الفعل. ويأمل آل عامر أن يتكفَّل الزمن بتجاوز مشكلات الأندية، التي أوضح أن حلها يكمن في تحويلها إلى صورة عصرية حديثة، قد تكون المراكز الثقافية الحديثة والمجهزة بأحدث التقنيات هي الحلَّ اﻷفضل في الوقت الحالي. المضمون.. أهم من جانبه، يبرِّئ الدكتور جمعان عبدالكريم، المثقفين من فشل المؤسسات الثقافية القائمة، ويحمِّل الجهات الرسمية المسؤولية، بقوله «المشكلة في الفشل لا تعود إلى المثقفين بقدر ما تعود إلى الجهات الرسمية، فهي التي لم تستوعب حتى الآن تغير الزمن، فما زالت تنظر إلى التعامل مع الناس والأدباء والأشياء بنظرة ثابتة استاتيكية رسمت قبل خمسين سنة أو أكثر»، موضحاً أنَّ المؤسسة الرسمية تفرض على الأدباء والمثقفين الأمور فرضاً دون الرجوع إليهم. وعن المراكز الثقافية، وهل هي الحلُّ الأمثل، يقول: «فكرة المراكز أو اتحادات الكتَّاب هي فكرة جيدة لا شك، ولكنها ستبقى تغييراً في الشكل الخارجي دون المضمون إذا استمر التعاطي مع المثقفين بالطريقة نفسها».