قبل ثلاثة أيام، حلت الذكرى الـ12 لهجمات سبتمبر (أيلول) الرهيبة على نيويورك وواشنطن، بفعل مجموعة عربية تابعة لتنظيم القاعدة. سرت دماء غزيرة، وشُنت حروب، وسقطت دول، وعز قوم وذل آخرون، شيء واحد قاوم التغيير وصمد أمام الأعاصير، وهو عقل «أغلبنا» التكراري البليد، الذي وقف خلف هذه الهجمات الحمقاء. لماذا نتوقف عند هذه الذكرى؟ هل مجاراة للشعور الأميركي والغربي وتقليدا أعمى لهم؟ لا، بل هو تذكّر يخصنا نحن، فهي ذكرى عميقة ومؤثرة لنا كما لهم، تهمنا كما تهمهم، تعنينا كما تعنيهم. يكفي التبصر بما جرّته علينا هذه الهجمات من وقائع يشيب لها الولدان، بل أكاد أقول إننا لا نزال نعيش تداعيات هذه العمليات إلى الآن. فلولاها لما سقط صدام حسين، وأزيلت طالبان من حكم بلاد الأفغان، ولولا سقوط صدام وانهيار طالبان لما ازدهر تنظيم القاعدة، بل قل تنظيماته؛ من كابل إلى الرباط مرورا بالرياض وبغداد والقاهرة وصنعاء... إلخ، بالقفز على طهران طبعا! ولولا نشاط «القاعدة» الرهيب لما اندلعت حرب بوش الكبرى مع الإرهاب، التي جعلته مكروها في العالم الإسلامي، ومكلّفا للمواطن الأميركي الذي لجأ أخيرا إلى «حمامة سلام» هو الأسمر ذو الأصول الأفريقية الإسلامية باراك أوباما، الذي جاء على صهوة السلام وشيطنة الحروب والنهج البوشي، وإلقاء تحية «السلام عليكم» في القاهرة، ومن ثم دعم جماعات الإخوان ومساندة ما سُمّي بالربيع العربي، للبرهنة على أن أميركا تريد الإسلام «المعتدل» وليست دولة حروب... إلخ. للمتأمل، تنشد الخيوط الحالية إلى البكرة السبتمبرية، وتنعقد على عمامة أسامة! غير أن الذي يجعل المرء يعتقد أننا لمَّا نستفد ألبتة من عبرة هذه اللحظة الرهيبة، هو أننا نلوك «اللبان» ذاته في الأفواه! المغالطات ذاتها. هذه الأيام، قرأت في «تويتر» عدة مداخلات احتفائية بمن قام بهجمات سبتمبر، وأنهم أبطال، وأنهم أنقياء.. حتى لو اختلفت معهم، كما يقولون. صديق لي يعمل في جامعة سعودية، أطلعني على نص رسالة مبعوثة له على هاتفه من زميله المدرس في الجامعة، مضمونها احتفاء بمجرمي 11 سبتمبر! في الوقت نفسه، تجد «تنظيرات» وثرثرات موغلة في الخيال العلمي البوليسي، عن نفي أن من قام بهذه الجريمة هم شبان عرب ينتمون لجماعة القاعدة. تنظيرات هرائية خلفها أساتذة في الشعوذة السياسية، وكأن اعترافات الفَعَلة ووصاياهم غير كافية، ولا فرح وفخر أسامة نفسه بهذه الهجمات، والأهم من هذا كله كأن «القاعدة» قامت فقط بهذه الهجمات في صبيحة 11 سبتمبر 2001، ولم تقم قبلها ولا بعدها بعشرات الجرائم والتفجيرات، ولم تتبنّ هذا الأمر علنا وتفخر به. ليست الخسارة فقدان روح أو تهدم مبنى، بل هي فقدان القدرة على رؤية العيوب، ونقد النفس. هذه هي الخسارة الكبرى.. وهي التي تجعلنا لحدّ اللحظة ندور في ساقية الوهم.