من المتوقع أن يكون قد وصل 20% من شعب أمريكا إلى عمر 65 سنة مع نهاية القرن الفائت، وجرت العادة أن كل واحد من مائة ألف من الناس من يصل إلى عمر المائة سنة، وأن من يقفز إلى 105 سنوات هو واحد من مليون فرد (الله أكبر)، ولكن من يمتد به العمر إلى 110 سنوات هو واحد من كل أربعين مليون نسمة! في قدر واضح أن آجالنا مرسومة ضمن قرن واحد لا يزيد، كما بكى على ذلك الإمبراطور الفارسي (كزركسيس) في القرن الخامس قبل الميلاد وهو يعبر مضيق الدردنيل، ويرى جيشه العرمرم لا يبقى منه أحد بعد قرن، سواء في ساحات القتال أو بالموت الطبيعي. قدر الفناء يطوق كلا منا، ولكن قصة أصحاب الكهف تقول إنه وبواسطة قوانين فسيولوجية من التبريد وعدم التعرض للضوء والتقليب، يمكن أن تمط في العمر مئات السنوات، وهذا يعني أنه يمكن لأحدنا أن يعمر قرونا. وفي قصة نوح نموذج مختلف، عن رجل عاش أكثر من ألف سنة فكيف تم ذلك؟ هنا الموضوع ليس استثناء بل خاضعا لقوانين، وسوف لن أتأخر عليكم في الكتابة، حين أعرض لكم اكتشافا مذهلا اكتشفته به سيدتان (كارول كرايدر وإليزابيث بلاكبورن) حين أماطتا اللثام عن سر التعمير، في سر يكمن في ذيل الكروموسوم، سمتاه التيلوميراز، وهو تركيب يتآكل، وبسبب هذا نموت، حيث ينتج الكروموسوم (كوبي) فاسدة، وبإمكانية حفظه يمكن مط العمر بإطالة إمكانية الانقسام الخلوي. ويبدو أن قمة المعمرين مقترنة بقمم الجبال في مرتفعات جبال الإنديز في الإكوادور في أمريكا الجنوبية، والأماكن الوعرة من باكستان، وأعالي القوقاز، وتبين ومن خلال الدراسات الأنثروبولوجية أن هناك ثلاثة أسرار خلف العمر الطويل: طعام قليل السعرات الحرارية بمتوسط 1500 كالوري مقابل 3300 كالوري للفرد الأمريكي (في المملكة كل واحد من أربعة مصاب بالبدانة والسكري بسبب قلة الحركة)، وهذا يوحي بمصيبة الترف مرتين: بالطغيان النفسي والفساد البيولوجي. وثانيا عمل شاق في أرض فقيرة إلى سنوات العمر المتأخرة. وأخيراً الاستمرار في الحضور الاجتماعي كمستودعات للحكمة والاستشارة، وهو ما فقده المرء في مجتمعات الحضارة المتقدمة، كما عبر عنه الكاتب الأمريكي (الفين توفلر ALVIN TOFFLER) في كتابه (صدمة المستقبل SHOCK OF FUTURE ) بسبب تسارع التقدم العلمي، وفقدان التكيف مع زخمه الجبار، ودمدمة الزلزال العلمي الذي لا يكف عن إرسال اللافا بمعدلات تسارعية مرعبة. كان إقبال يقول عن الزمن إنه ليس دورة الفلك بل حالة النفس، والشيخوخة ليست بيولوجيا بل حالة النفس، أعرف من هو في الخمسين وكأنه في عمر المائة مقوس الظهر تعلوه الكآبة وفي يده سيجارة! ومن هو في سن الثمانين بروح الشباب، فهذا هو مقياس الصحة النفسية لآخر لحظة ونسمة في الحياة. فمن شعر أنه انتهى ولو في عمر العشرين فقد شاخ، وبقي (لوفينهوك) يفحص الكائنات في مجهره إلى قبل موته بساعة، وقاتل بن تاشفين جموع الإسبان في عمر الثمانين، وتزوج كل من سنان (المعماري العثماني) وبيكاسو (الرسام الإسباني) بعمر الثمانين فأنجبا!