شمس علي طالما حلمت هبة أن تكون طبيبة لتخفف آلام المرضى، تداوي أوجاعهم، وقد تعمق هذا الحلم في داخلها كثيراً خاصة وهي ترى والديها يسقطان الواحد تلو الآخر صريعي المرض الذي أوسدهما في النهاية التراب. ورغم قسوة وصعوبة أن يجد المرء نفسه فجأة يتيم الأبوين، فقد بذلت هبة علي آل حمد، الفتاة الذكية والمتفوقة قصارى جهدها في الدراسة وحصلت على نسبة موزونة «90.244» وهي نسبة يفترض أن تخولها لتحقيق هذا الحلم الذي بات بالنسبة لها النافذة المشرعة في وجه الأمل. هكذا سجلت هبة ابنة المدينة الساحلية الدمام، في جامعة الدمام وكلها أمل وتفاؤل أن تقبل في الرغبة الأولى «مسار طبي» لتبدأ مشوار العمل على تحقيق الحلم، لكن الصدمة حلت بها مع إعلان نتائج القبول في الجامعة لتتضافر بذلك مع صدمة فقدها والديها فتظلم الدنيا في عينيها. فالجامعة تجاوزت رغبتها الأولى رغم أن نسبتها تخولها لها، لتقبلها في رغبة لا تجد نفسها فيها وهي «إدارة أعمال»، وفي محاولة منها لمطاردة الحلم سجلت هبة في جامعة حائل وبالفعل تم قبولها هناك «مسار طبي»، وكان عليها أن تسحب ملفها من جامعة الدمام حتى يتم استكمال إجراءات قبولها في حائل وهو ما حدث. واستعداداً لبدء العام الدراسي توجهت هبة إلى حائل، وهناك كانت المفاجأة التي لم تحسب لها حساباً تنتظرها. فسكن الطالبات الجامعي في حائل مغلق، فأين يمكن أن تسكن هبة التي لم تتم عامها الثامن عشر بعد، لتحقق حلمها في دراسة الطب، وليس ثمة سكن رسمي تأوي إليه مطمئنة في مدينة لا تعرف فيها أحداً، وأنى للفتاة الصغيرة بسكن يكون جدها مطمئناً عليها فيه، وهو الرجل الكبير الذي يصعب عليه التنقل والسفر لتفقد أحوالها هناك كما يصعب عليه أمور عديدة أخرى. كان على هبة إذن أن تعود أدراجها مكسورة الخاطر، ودموع عينيها لا تكاد تجف على حلم يؤلمها تهشمه في داخلها، وكان على أهلها أن يتوجهوا لجامعة مدينتهم الدمام على أمل أن يجدوا فيها مربياً فاضلاً وصاحب قلب كبير يعي أهمية فسح المجال أمام طاقة فتية كلها شغف بالدراسة وتطلع لخدمة الوطن، قلباً أبوياً كبيراً يعرف أي أثر سيكون لموافقته على نقل هبة من جامعة حائل إلى جامعة الدمام حتى لو كان بمسمّى «زائرة»، إذ إنه في حال كانت الظروف غير ملائمة لتمكث هناك حتى تنهي دراسة 12 مادة وتحقق بذلك شرط الجامعة لنقلها بمسمّى زائرة، فما الضير أن تكون قوانين مؤسساتنا التعليمية أكثر مرونة وتراعي الظروف الإنسانية للطالبات والطلاب حرصاً على تخريج طاقات فاعلة في بناء الوطن بيد أن من المؤسف أن جميع أبواب مسؤولي الجامعة أوصدت في وجوه طارقيها من ذوي هبة. وبدوري قمت بالحديث مع عميد القبول والتسجيل في جامعة الدمام الدكتور عبدالله باموسى وعرضت عليه قضية هبة وملابساتها، وركزت على الشق الإنساني فيها على أمل المساعدة، بيد أن الرد مع الأسف كان الرفض بدعوى أن: «جميع إجراءات القبول في الجامعة انتهت وبدأت الدراسة»، و«جميع الأعمال والإجراءات لها وقت محدد وأنتم تأخرتم وتجاوزتم الوقت ولا نستطيع الآن عمل شيء لها»!. رغم أن الدراسة للتو بدأت والعملية المطلوبة لا تتعدى كونها قبول نقل طالبة من جامعة سعودية إلى جامعة سعودية أخرى بأي مسمّى ترتضيه الجامعة المستقبلة، المهم ألا نسهم في ضياع حلم هبة بسبب تعنت قوانين يفترض أنها وضعت لخدمة العملية التعليمية. في الوقت الذي يجب أن تخدم القوانين وتراعي في الأول والأخير مصلحة أبناء الوطن وتسخر لخدمتهم بما تتمتع به من مرونة كفيلة باحتواء الشباب واستقطابهم للعلم والدراسة، بدل أن تكون عثرة في طريق أحلامهم. وفي الختام أتساءل: هل نترك حلم هبة يضيع من بين يديها وهي الجديرة بتحقيقه ونسلمها بأيدينا للحزن والفراغ الذي لا يرحم، أم نقول لها بأن جامعة مدينتك الدمام تشرع لك أبوابها وستحتضن حلمك وتساعدك على تحقيقه؟!