يحتفل النادي الأدبي بالرياض بمرور 40 عاما على تأسيسه، عندما انبلج نبتة صغيرة حذرة ولكنها مشبعة بطباع الصحراء، مع قدرة أبدية على منازلة الفناء، في بيتنا في الملز تحرر الرواد من غواية أرض اللغة، ونزلوا بصلصال حلمهم الساخن إلى أرض الواقع، وهي خطوة أولى وأن كانت صغيرة ولكن حقيبة أحلامهم كانت مكتنزة. فتأسيس ناد أدبي في الرياض هو تمرير هوية جديدة للثقافة والمشتغلين بها، ومن ثم مأسسة الثقافة داخل كيان الدولة الحديثة وترسيخها ككيان مستقل بدلا من ارتباطها بالأفراد. وأيضا فسح حيز للكلمة في المسيرة التنويرية و منحها استقلالية عن أغراض الفخر والمديح والهجاء....التي لطالما انهكت الأدب وانتهكته، فمطالع الصحافة في المملكة رغم غلبة الطابع الأدبي عليها إلا أنها كانت محملة بهم تنويري تنموي للمكان وقاطنيه. وأخيرا كان الرواد يطمحون إلى تسكين الكلمة في ناد لها للاستثمار في قوتها وطاقاتها الخلاقة ودورها الجوهري في التغيير مع لملمة نثارها المشتت مابين ندماء البلاط ورواة الأدب. لكن تلك الأحلام الباذخة للرواد هل بلغت منتهاها وأين أضحت؟ هل بقيت محتفظة بجيشانها وتألقها واتساع خطواتها وقدرتها على الفعل؟ أشك في هذا.. والذي يتابع جدول فعاليات احتفاليات النادي بأربعينيته، سيعلم حتما بيت الداء وستتبدى له حالة انقطاع النادي عن محيطه والدائرة المغلقة على نمطيتها التي يدور داخلها. كنا نتوقع أن يكون احتفالية النادي باربعينيته منعطف تحول، انبلاجة جديدة، بوابة مشرعة.. وليس ركاماً من أوراق العمل التي نكرس بها ما كان ونعيد ونستزيد منه. فاحتفالية سيرعاها أمير الرياض في خطوة دعم واضحة من سموه، كان يجب أن تطرح فعاليات مفعمة بالإبداع الخلاق وكسر الرتابة، فالنادي من المفترض أن يكون أحد حواضن الإبداع ومصانعه، عاكسا دهشة الفنون، وفن طرح الأسئلة. لكن مأساة النادي الأدبي لدينا أنه أدمن تقديم الأجوبة عبر النشاط المنبري الخطابي، دون أن يتوقف يوما وقفة جدية ويحاول أن يتعلم فن طرح الأسئلة.. كسؤال جوهري: ماذا يحتاج النادي الأدبي ليتحول إلى مركز ثقافي نشط وفاعل ويستقطب الجماهير النخبوية ويليق بعاصمة المملكة؟ فلماذا لم تتحول فعاليات احتفال النادي بأربعينيته إلى ورشة عمل كبرى تمتد لثلاثة أيام وتستقطب كل مثقفي العاصمة ليطرحوا تصوراتهم وطموحاتهم وتوقعاتهم من النادي ؟ لماذا لم يطلب من أمير العاصمة التكرم بتقديم تصوره وطموحه عن المناخ الثقافي للعاصمة حتى يتم توأمة الأحلام؟ أيضا لماذا لم يستقطب من الخارج بعض التجارب الناجحة في إدارة المراكز الثقافية لتقديم رؤى وتصورات تبعث الروح والحياة في خمول أنشطة النادي وتنهي عزوف مثقفي العاصمة عنه؟ من ضمن أوراق العمل التي ستقدم أسماء ثقافية متألقة ونفخر بها ك د. عبدالرحمن الربيع، ود. سعد البازعي، على سبيل المثال لا الحصر طبعا، ولكن الإطار الذي وضعوا فيه حتما سيحد من أثر حضورهم وثراء تجاربهم. إذاً هل نكتفي بالعمل بالنوايا الطيبات فقط؟ ونتنازل عن فضيلة طرح الأسئلة التي هي محرك ومؤجج الإبداع الخلاق؟ النادي الأدبي اعتاد أن يقدم الأجوبة لرواده.. ياحبذا أن يحاول يوما ما فن طرح الأسئلة، لأن هذا النوع من الفنون حتما سيحدث فرقا.