بدأت بالأمس مقالا عن أطباء عملوا بصمت واشتهروا في العالم بعيدا عن بهرجة الإعلام وزيف المناصب، وذكرت أسماء بعضهم، ولم تسعفني المساحة لذكر بعضهم ولن تسعفني أبدا؛ لأن المخلصين كثر لكنهم ضاعوا وسط ضجيج وأنانية متخاذلين أكثر. أما لماذا الأطباء تحديدا فلأنها أكثر مهنة تشهد حاليا تسيبا خطيرا بترك الأطباء (المتخاذلين) مواقع عملهم في المستشفيات الحكومية نهارا جهارا وخروجهم أثناء الدوام الرسمي ودون مسوغ نظامي لعيادات وعمليات في القطاع الخاص، وفي ذات الوقت الحصول على رواتب وبدلات عالية في كادر الأطباء الحكومي، وحصول بعضهم على مناصب إدارية عليا ورواتب وبدلات وتسهيلات خيالية وهم الأقل تميزا، بينما وفي مفارقة عجيبة لا يحصل الطبيب المخلص إلا على راتبه فقط، ويتحمل غياب وقصور زملائه المستهترين!!. الوضع تغير كثيرا في العشرين سنة الأخيرة ومن سيئ إلى أسوأ منه في مجال إخلاص الكوادر الطبية تحديدا سواء في مناصبهم الإدارية أو عملهم الطبي البحت، مع تراجع كبير في حجم العمل وضغط العمل وقد يستغرب البعض ذلك، لكنه حقيقة مرة، فقد كان مجمع الملك سعود الطبي (الشميسي) منذ حوالي ثلاثين سنة يستقبل بمفرده في عياداته الخارجية ٢٠٠٠ مريض يوميا من السعوديين والأجانب والآن تقلص العدد كثيرا بعد التأمين على الأجانب ومنعهم من مراجعته وتحول كثير من السعوديين إلى مستشفيات أخرى. لا بد أن نذكر رجالا عملوا بإخلاص وغادروا بصمت وبأقل المكاسب، فعندما كان الطبيب محمد المعجل مديرا للشؤون الصحية بالرياض كان ينتدب أطباء امتياز لمراجعة ملفات من يعالجون في القطاع الخاص وتدقيق فواتيرهم رغم الضغط، بينما آخرون من شركاء القطاع الخاص يحولون المرضى لهم ويدفعون الملايين دون تدقيق، كان لمحمد المعجل عيادات شبه يومية غير صورية في الشميسي ولم (يزوغ) للمستشفيات الأهلية وعندما أراد الخروج خرج بأمانة وفتح عيادته الخاصة وقبع فيها نظيفا!!، وكذلك فعل الطبيب محمد المفرح مدير الشميسي سابقا فقد تحمل أعباء المراجعين والمرضى والمناوشات التي وصلت حد الضرب وقام بعياداته شبه اليومية وعمليات المنظار وعندما ترجل فتح عيادته وحصل على رزقه حلالا!!. مثلهما فعل الطبيب بدر الربيعة رحمه الله والطبيب عبدالرحمن البنيان في الصحة والدكتور فالح بن زيد الفالح في الجامعة. كان الجراح البارع عبدالله الكريدة رحمه الله لا يغادر مستشفى الشميسي إلا للنوم فأين هو اليوم من جراح عظام نقول له لدينا حادث جماعي ضحاياه بهم كسور حوض وترقوة وفخذ وبعضهم كسر ظهره وأنت الاستشاري المناوب فيرد من مستشفى خاص ويقول (لن آتي، وأعلى ما في خيل المدير المناوب يركبه!!). لمثل هذا نقول ماتت الخيول!!.