من أغرب الحوارات في مواقع التواصل الاجتماعي بين السعوديين، حينما يتعلق الأمر بالفنون، وبالذات السينما والمسرح، فنحن للأسف لا نناقش كيف يمكن تقديم هذين الفنين المؤثرين في ثقافات الشعوب، كما تفعل جماعات أي شعب وتياراته المختلفة، بل يتمحور حوارنا حول هل يجوز أن نسمح لهذين الفنين بالانتشار داخل البلاد، وأن تدعمهما الدولة؟ ولعل السؤال المحزن الذي تفجره جماعات من مجتمعنا التقليدي، هو ما قيمة هذه الفنون؟ وما فائدتها المرجوة أصلا؟ وكأن هؤلاء يبترون الحوار من بدايته، وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء متدينين، أو متشددين مثلا، بل أحياناً هم من المعتدلين، الذين لا يرون أي أهمية لإشاعة الفنون في المجتمعات، بل يباغتك أحدهم: يا أخي نحن بحاجة إلى ابتكارات واختراعات فقط، هذه هي ما يجعل الشعوب متقدمة أو متخلفة! وقد غاب عن هؤلاء أن المجتمعات المتقدمة التي اخترعت وابتكرت، وتفوقت صناعيا، هي التي تعنى كثيراً - في الوقت ذاته - بقاعات المسارح، والمتاحف، ودور السينما، ومختلف أنواع الفنون، من تشكيل وتصوير ونحت و... الخ. بل حتى التاريخ الإسلامي في بداياته، وبعد استكمال الفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين، بدأت الفنون تزدهر في الدولتين الأموية والعباسية، خاصة بعد الاختلاط مع الأمم والثقافات المجاورة، ومنها ازدهرت الفنون الإسلامية المختلفة، التي نشاهد بعض قطعها النادرة حين نزور متاحف العواصم الأوروبية! لا أريد أن أبالغ كثيرا، إذا قلت إن الأمم والشعوب بلا فنون وإبداع، تبقى أمماً وشعوباً ناقصة، فالفن هو واجهة أي مجتمع، ودليله الذي يقوده الحضور في المشهد الإنساني. في لندن، على سبيل المثال، لا تزال مسرحيات وليام شكسبير، تعرض عبر أجيال من المسرحيين الشبان، وكذلك في باريس لا تغيب مسرحيات فولتير أحد رواد التنوير في أوروبا، وهكذا في مختلف العواصم الأوروبية، التي تتنافس وتفتخر وهي تربي الأجيال الجديدة على مبادئ هؤلاء، وأفكارهم، وفلسفاتهم، في حين يرى بعض شباب تويتر أن المسرح رقص وهز وتهريج، وبالتالي يعتبره مضيعة للوقت والجهد والمال! صحيح أننا لا نمتلك مسرحاً حقيقياً كما في أوروبا، وصحيح أننا لا نعرف السينما وصناعتها، وتأثيرها في الشعوب، وصحيح أننا بترنا أصابع الفنون في مراحل التعليم، بعد أن التهمت حركات الصحوة بذرة المسرح المدرسي، واستبعدت الفنون والرسم والنحت في مدارس التعليم العام، وصحيح أننا ننمو اقتصادياً بشكل رائع، في مقابل تخلفنا الثقافي والفكري، لكننا لم نزل نحمل الأمل في الأجيال القادمة، التي لا بد أن تدرك أن الفنون والإبداع، هي الوسيلة الوحيدة لتعدد الأفكار، وللحوار، والتخفيف من التشدد والتطرف والتحزّب والإرهاب، فهي تجمع الشعوب دائماً، نظرا لطابعها الإنساني العميق، وتحترم الاختلاف، بل تدعو إليه، وتعتبره وسيلة لتطورها، وطريقاً لإشاعة الحب والسلام بين البشر.