تتطلع مختلف شرائح المجتمع بفارغ الصبر إلى ما سيصدر عن هيئة كبار العلماء الأسبوع الحالي حول مدى إمكانية جواز فرض غرامة على الأراضي البيضاء المملوكة لمستثمرين لم يطورها أو يبيعوها واحتكروها على مدى سنوات طمعاً وجشعاً على حساب المواطن، رغم أن الدولة تحملت تكاليف البنية التحتية، ولم يكلف تطوير تلك الأراضي سوى (200) ريال للمتر تقريباً، ومع ذلك تباع السكنية منها بأرقام فلكية وصلت إلى (3000-4000) في مدن الرياض وجدة والدمام. ومسألة الغرامة على الأراضي البيضاء هي من المسائل المعاصرة المستجدة، وتتعلق بالسياسة الشرعية والقواعد العامة في الشريعة تحقيقاً للمصلحة، ثم ان من مقاصد الشريعة عمارة الأرض وعدم تعطيلها، وإعانة الناس بعضهم لبعض، كما أن الغرامة هي من الأمور التعزيرية بالمال، والصحيح من أقوال أهل العلم جواز التعزير بالمال، إلى جانب فعل «عمر بن الخطاب» -رضي الله عنه- في قصة إقطاع «بلال بن الحارث» -رضي الله عنه- حينما اقطعه الرسول أرضاً خارج المدينة وأحيا جزءاً منها ولم يفعل بالباقي، فمنحه عمر -رضي الله عنه- ما أحياه وأخذ منه بقية الأرض وقسّمها على المسلمين لينتفعوا منها، رغم أن من أعطى بلالاً الأرض هو رسول الله، ولكن مقصد الشريعة التي جاء بها الرسول الكريم هي إحياء الأرض وليس احتكارها. وناشد مواطنون سماحة المفتي وأعضاء هيئة كبار العلماء أن يكون لهم موقف تاريخي ومجتمعي تجاه فرض غرامة على الأراضي البيضاء، وعدم إرجاء الموضوع إلى مزيد من الدراسات، حيث ان ما قدمته وزارات الإسكان من دراسات مستفيضة (شرعية، اجتماعية، اقتصادية) كافية لحسم الموضوع، مشيرين إلى أن هناك عددا كبيرا من المواطنين لم يتمكنوا من تملك مسكن لهم، بسبب ارتفاع أسعار الأراضي المبالغ فيه إلى حدٍ لم يعد يجدي معه سوى فرض غرامة على محتكري العقار، وفك الأراضي البيضاء ليتوازن العرض مع الطلب، مطالبين بسرعة النظر في هذا الموضوع الهام لكل مواطن، بما يؤمن له مستقبله، وأمان أسرته، ويخفف عنه أعباء الإيجارات التي أرهقته كثيراً. وأجمع مختصون أن فرض غرامة على الأراضي البيضاء سوف يفك احتكار ملايين الأمتار من الأراضي السكنية المجمدة، ومحفزاً لتحريك تلك الأراضي المقدر قيمتها بمليارات الريالات، والتي متى استغلها ملاكها تحولت إلى «كاش» قد يُستثمر في الصناعة والتجارة ويخلق مزيداً من الفرص الوظيفية لأبناء وبنات المملكة. ملايين الأمتار مجمدة لتجفيف العرض ودفع «المواطن البسيط» للشراء بمبالغ خيالية عقاريون مؤيدون وقال «خالد بن عبدالعزيز الغامدي» -شيخ طائفة العقاريين في مدينة جدة- إن الشريحة العظمى من المشتغلين بتجارة العقار ينتظرون ما سيصدر عن هيئة كبار العلماء هذا الأسبوع، وهم يأملون في أن تقرّ الهيئة الغرامة -عكس ما يتوقع الكثير من العامة-، حيث يعد ذلك في صالح العقاريين على المدى البعيد، مستشهداً بأن مساحة الأراضي البيضاء داخل النطاق السكني للمدن شاسعة لدرجة أن تحريكها ودفع ملاكها إلى التصرف فيها سينعكس بشكل فوري على قطاع العقار، وعلى سبيل المثال في منطقة أبحر شمال مدينة جدة وحدها ما يزيد عن 50 مليون متر مربع محيطة بها الخدمات من مختلف الجهات والجوانب، متوقعاً أن نسبة الأراضي والمساحات المتروكة في مختلف المملكة لا تقل عن 30 في المئة من النطاق السكني. وأضاف أن فرض الغرامة على ملاك الأراضي خاصة كبيرة المساحة والتي قد تصنف على أنها من عروض التجارة؛ أمر مهم لراغبي تملك السكن، فلا يمكن تصور أن يمتلك شخص واحد مليون متر مربع ويعامل على أنه سيستخدم تلك المساحة كلها للسكن؛ في حين أن دفعه وتحفيزه لتدويرها متى ما كانت هناك غرامة مناسبة لذلك سيجبره على البيع أو على التطوير، ولن تكون الأراضي بين أيدي مقتدرة في ظل الحاجة لها من قبل بسطاء الناس، وذلك طبعاً سينعكس على القطاع العقاري على السواء بالنسبة لعموم العاملين فيه من كبار ومتوسطي وصغار المستثمرين. مبررات الغرامة وأشار «م. مروان أحمد ناظر» -عضو لجنة المكاتب الهندسية وعضو لجنة المقاولات في مجلس الغرف التجارية السعودية- إلى أن المساحة الشاسعة من الأراضي البيضاء داخل النطاق السكني مبرر قوي لفرض الغرامة، مستشهداً على سبيل المثال بأراضٍ متروكة على «طريق الملك» من شارع حراء بجدة حتى دوار النافورة والمقدرة ب12 كلم فقط وتصل إلى خمسة ملايين متر مربع، وهي مكتملة للبنى التحتية وجاهزة لتنفيذ آلاف الوحدات السكنية التي كلفت الدولة لتلك البنى بالنسبة للمتر الواحد نظراً للمواصفات العالية 200 ريال في حين تبلغ تلك الكلفة بالنسبة لمشروعات القطاع الخاص 150 ريالاً. وقال:»نحن على ثقة كبيرة بسماحة المفتي وأعضاء هيئة كبار العلماء أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه وطنهم وأبناء مجتمعهم، ومراعاة الصالح العام بفرض غرامة على الأراضي البيضاء، وعدم تأجيل الموضوع إلى مزيد من الدراسات»، مشيراً إلى أن هذه الأراضي أموال مجمدة ومتى اضطر ملاكها لتحريكها بسبب الغرامة ستسهم في حل أزمة الإسكان كاملة، كما سيضطر أولئك الملاك إلى استثمار عوائدها في نشاط تجاري أو صناعي سيخدم المجتمع والدولة، خاصة في قطاعات التصنيع، مؤكداً على أن المملكة مؤهلة في قطاع الصناعات البتروكيميائية، وهذا يعني توفير المزيد من الوظائف، وتوسيع مداخيل الدولة من غير النفط، فمثلاً هناك دول مثل هولندا لا تنتج نفطاً ولكنها تمتلك مداخيل هائلة من صناعة النفط قد تفوق مداخيل دول كثيرة منتجة لها. «عمر بن الخطاب» أخذ من صحابي أرضاً لم يحيها ووزعها على المسلمين رغم أن من اقتطعه الرسول الكريم مصلحة للجميع وأضاف المحامي «عبدالله بن محمود بن حسين نصيف» -عضو لجنة المحامين في مجلس الغرف التجارية الصناعية- أن فرض غرامة على الأراضي البيضاء أمر بيد هيئة كبار العلماء وحدهم دون غيرهم، ولكن الجميع يرى أنه من الضروري على الهيئة أن تقرّ تلك الغرامة، حيث أصبحت مطلباً شعبياً لفئات كثيرة في المجتمع لم تتملك مسكناً إلى اليوم، وتعاني من تضخم الإيجار، إلى جانب الدراسات المتوافرة التي تؤكد الحاجة الماسة والفورية لمئات الألاف من الوحدات السكنية وأضعافها في الخمس أعوام المقبلة. وأشار إلى أن اهتمام ولي الأمر بهذا الجانب وحثه المستديم على توفير السكن للمواطن، وكذلك عقبات شح الأراضي التي تقف عائقاً أمام عمل وزارة الإسكان التي أُنشئت لتلبية حاجة المواطن للسكن وتسهيل حصوله عليه، وكل ذلك يتطلب من العلماء الأجلاء سرعة البت في هذا الموضوع وعدم تأجيله، موضحاً أنه مطبق في دول عدة، وأثمر كثيراً، مثل في دول أوروبا وأمريكا وبعض دول شرق أسيا كسنغافورة وفي دول عربية أيضاً، مبيناً أن غاية الغرامة ليس البحث عن دخل للدولة، وإنما حث ملاك الأراضي إما البيع أو التطوير والبناء عليها، مبيناً:»لست مؤهلاً للإفتاء، ولكني على يقين من حرص هيئة كبار العلماء على مصلحة البلاد والعباد، وهناك كثير من الأمور التي تسهّل على الهيئة البت السريع في مثل هذا الموضوع؛ فالدين يسر، وفرض غرامة هي من المصلحة العليا للمسلمين». لا يؤجل الموضوع وقال «د. حبيب الله محمد التركستاني» -أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز- إن الثقة كبيرة في هيئة كبار العلماء، وجميع شرائح المجتمع تعلم ذلك جيداً، وتسمع له، وتحافظ عليه، ويأملون أن يكون قرارهم بفرض الغرامة وعدم تأجيل الموضوع، وهو ما أتوقعه؛ لأن الهيئة قريبة من هموم المواطنين، وتسعى إلى تحقيق مقاصد الشريعة تجاه الأحكام والنوازل المعاصرة. وأضاف من الناحية الاقتصادية إن فرض غرامة على الأراضي البيضاء ليس هو الهدف، وإنما هو وسيلة لبلوغ هدف أكبر، وهو تيسير تملك السكن للمواطن، ومعالجة الخلل الواقع في سوق العقار، والمتمثل في زيادة الطلب على العرض، داعياً إلى أن تصاحب تلك الوسيلة كثير من الخطوات الأخرى حتى يمكن الوصول لذلك الهدف، متمنياً أن يصدر عن الهيئة بشكل فوري ما يحسم هذا الموضوع، ويحقق مصلحة الجميع بما فيهم مالك الأرض نفسه الذي هو أيضاً مواطن مستثمر له حقوقه التي يضمنها الوطن له، خصوصاً وأن ما سيصدر سيتطلب العديد من الخطوات اللاحقة من حيث إيجاد الآليات والضوابط التنظيمية له، والتي تضمن الفائدة المرجوة منه والعدالة للجميع، وتتطلب شمولها لمبدأ (لا ضرر ولا ضرار). تأخرنا كثيراً وأشار «د. ماجد محمد قاروب» -محامي ومستشار قانوني- إلى أن ولي الأمر يحق له فرض ما يراه مناسباً ويصب في الصالح العام، كما أن هيئة كبار العلماء تنظر دوماً للمصلحة العامة وما يفيد الجميع، موضحاً أن المجتمع تأخر كثيراً في التعامل مع مشكلة احتكار الاراضي ما يتطلب سرعة البت فيها؛ نظراً للحاجة الماسة في الوقت الراهن لحلول. وقال: «في حالة البت في أمر الغرامة سيكون هناك حراكاً في قطاع الإسكان يصعب علي تحديد نسبته نظراً للمتغيرات والمؤثرات الكثيرة التي سيشهدها هذا الجانب، ولكن المؤكد أن جميع المؤشرات ستكون إيجابية في التوجه، كما أن قيمة الغرامة يتطلب التناسب مع المراد تحقيقه منها، وتحديد الجهة المستفيدة منها أيضاً، ومدى الإسهام في حل المشكلة، وكل ذلك سيكون تباعاً لما سيصدر عن الهيئة، وهو ما يتطلب الإسراع في البت وعدم التأجيل».