يقول البعض إن روبرت موغابي ما كان ليحتفظ بموقعه طوال هذه الفترة لولا التزوير الانتخابي وأساليب الترويع التي انتهجها، فلقد بلغ به الأمر بعد أن فشل في الحصول على أي صوت من أصوات إحدى مقاطعات بلاده خلال أحد السباقات الانتخابية، إلى إثارة أعمال عنف راح ضحيتها أكثر من 20.000 مدني. أما أدولف هتلر وهو غني عن التعريف، فالكل يعلم أنه كان قائد الحزب النازي، والذي يتحمل المسؤولية المباشرة عن مقتل ملايين اليهود، علاوة على الحرب التي ورط العالم أجمع فيها، هذا بالإضافة إلى ارتكابه جرائم حرب شنيعة في حق اﻻنسانية أوﻻ بغض النظر عن الديانات التي يستهدفها. و فرعون الذي كان يسحق البشر ويقتل كل معارضيه من المثقفين والسياسيين آنذاك. ربما طغاة الأمس كانوا يُذكرون كما تروى اﻻساطير وكان لكل طاغيةٍ سبب يكمن خلف ذلك البطش ؛"ربما بحثا عن السلطة أو ركضا لملاحقةِ أعدائه أو ربما لصراع نفسي داخله" و لكن بالتأكيد مامن مرض نفسي يكون حكراً على القادة أو على أي نوع آخر من البشر. فهناك الكثير من الطغاة على هذا النحو قد توارثوا هذا "الجين" أو هذا المرض النفسي فأصبحوا يعيشون بيننا و يخلفون وراءهم متضررين و ضحايا تماما كضحايا الحروب تلك -و ربما أعظم -! هؤلاء البشعون المغرقون في حبهم لذواتهم -أو باﻷحرى في كرههم لغيرهم- الذين ﻻ يكادون يذكرون حسنة مما فعلت لهم و ﻻ مساعدة أو ابتسامة في وجوههم ، هؤلاء المتربعون على عروشهم متجهمون و قد فقدوا البشر من حولهم ﻻ من حبيب و ﻻ صديق . هؤلاء الذين أكلت اﻷنانية و الحقد قلوبهم حتى باتوا يظنون العالم ممتلئ بأشباههم و ﻻ ينظرون للكون سوى بأعينهم السوداء ، فلا مديح من دون مصلحة و ﻻ صدقة دون مقابل و ﻻ وصف اﻻ خلفه حسد و ﻻ نجاح من دون تزوير، هؤلاء الذين يبيحون لأنفسهم الحياة و يحرمونها عن اﻵخرين، يبيحون ﻷنفسهم مخالفة اﻷعراف ، و ينتقدون من يخالفها، يبيحون ﻷنفسم بيع المبادئ، و يرونها جريمة في حق من يبيع ، يعذرون أنفسهم على الخطأ و الشتيمة و تخريب البيوت و التفريق مابين المرء و زوجه ، لكنهم يُشَهِرُون و يفترون على كل من يحاول مس حصونهم ! لهم في كل حدث "حادثة"، وفي كل موقف "فضيحة"، و في كل اجتماع "تفرقة"؛ يخلقون من كل اختلاف "خلاف" ومن كل حبة قبة. قد يكون هذا الطاغية أبوك، أخوك، أمك، أختك، صاحبك، ابنك، رئيسك، زميلك، قريبك، أو حتى أي أحد يمكن أن تقابله في أي مكان أو تتعامل معه. لا يهم من يكون ذلك الشخص بالنسبة لنا بقدر ما يهمنا وجوده المثير للقلق في حياتنا، وسياسة تعاملنا معه وكيف لنا أن نتجنب هجومه أو إيذاءه النفسي الذي سيصبح أعمق كلما كان ذلك الشخص قريبا منا. في حال كنت فردا "مبتلى" بهذه العينات المريضة في حياتك فأنت تحمل على عاتقك هما دائما، كيف تفتح موضوعا مثيرا للجدل مع شخص يعشق الجدل وينهيه كل مرة بحرب أهلية، أو كيف تأخذ رأيه في مسألة ما وهو يعشق التعقيد و النطق بـ"ﻻ" طوال الوقت، كيف تتخذ منه معينا أو رفيقا أو قدوة و هو ﻻ يطيق جلوسك معه لأكثر من عشر دقائق ! من الطبيعي أن تحدثه عن رفقتك فيسرد لك قائمة طويلة من العلاقات الفاشلة التي أقمتها منذ الطفولة، أو تحدثه عن مستقبلك فيعدد لك العثرات والمستحيلات وكل أشكال السقوط أو الرفض الذي سيواجك. أشخاص يعشقون التثبيت و التحبيط، يتمتعون بتصيد اﻷخطاء واقتناص المشكلات. قد تنتهي لتوك من عمل تقرير استغرق من جهدك و وقتك و راحتك الشيء الكثير ، وتهرع لتسليمه الى مديرك و كلك ثقة و تأمل و لو بكلمة "شكرا" لكنك تتفاجأ به يعيب أسلوبك في سطر معين، أو استخدامك لكلمة خطأ، وقد ﻻ يجد فيه ما يُعاب فيعيب على لون غلاف الملف أو نوع الخط مثلا ! وقد تتكلف بشراء هدية أنفقت فيها وقتا ومالا للبحث عن اﻷنسب لمقام لذلك الصديق أو القريب وتتفاجأ به يأخذها منك بكل برود ويصارحك بأنه يمتلك مثلها الكثير و لم يكن هناك داعي لشرائها ! كان من الممكن أن يحتفظ برأيه لنفسه و ﻻ يتفوه بشئ مما قال لكان أفضل. وقد تأتي لآخر لتساعده فيجعلك تقوم بعمله كله لوحدك وينسحب دون شعور أو ذوق! و قد تعمل لدى أحدهم فيوكل إليك القيام بأدق تفاصيل حياته حتى ﻻ يصبح هناك أي داعي لوجوده، وإن تعذرت منه في قيامك بأحد مهماته الشخصية يمطرك بوابل من الخطابات الممتلئة بـ"أنا" يستعرض فيها قدراته وإمكاناته قاصدا من ذلك أن حياته من الممكن أن تستمر دونك ! متناسيا كل ما قدمته و ما تقدمه له من خدمات لم يشكرك عليها يوما .. ربما تُقْدِم لتوجه لأحدهم سؤالاً ؛ لكنه سيبدو في نظرهم اتهام . أو تدافع عن نفسك فيسمونه إعتداء ! أو تبرر فعلا فيسمونه جدال ! ﻻ مجال للتفاهم مع تلك العقول المغلقة المنغلقة التي استخدمت ﻷغراض متعددة إﻻ للتفكير ! ستجد أكثرهم عبدة للقرش و الدينار، فلا حسن نوايا عندهم دون إبراز النقود أوﻻ!! مستعدون للتضحية بالمبادئ من أجلها وللمحاربة من أجلها كذلك ، و قد يصبح الضحية و المحارب في آن معا من أجل المال أيضا ! وحيدون ، و هكذا جعلهم الله كما يستحقون ، و لو تسألهم عن سبب وحدتهم سيجيبون بكل تملق "بأنه ﻻ أحد يستحق ". صعب هو التعايش مع أشخاص بلا ضمير و لو للحظات . كيف تعيش مع شخص منزوع الضمير و الضمير هو المحكمة الشخصية والبوصلة التي تشير دائماً إلى الوجهة، فما أجمل أن نعيش الحياة بضمير وأن ندير قضايانا بضمير وأن نعبر عن قناعاتنا الحقيقية بضمير، فأقبح جرائم الإنسانية تسويغ الباطل وتلبيس البريء ثوب المتهم، والمظلوم ثوب الظالم، وتحويل العدو المتربص إلى شريك، وابن الدين والنسب والوطن إلى غريب مشبوه. كم هو صعب حقا التعامل مع الظلم و لو بدا لنا في أبسط صوره ، و كم هو صعب علينا كبشر رد العدوان أو التصدي له و إن كان على المستوى النفسي ، و اﻷصعب ربما هو أن تقول للظالم "أنت ظالم" و للأناني "أنت أناني " و للمعتدي بأنه معتدي. يصعب علينا النطق بها في أحيان كثيرة أدبا منا أو خجلاً أو خوفاً و رهبةً من صاحبها ؛ و في أحيان أخرى تأبى كرامتنا أن تصمت أمام هذا العدوان ؛فنتكلم و لكن محال أن يصدقونا أو يعذروننا ؛ فلا الظالم يشعر بظلمه و ﻻ الطاغية يشعر ببشاعة فعلته !