في زمن مضى كان المسؤول المناطقي مدعوا إلى غداء في بيت أحد المشايخ وكان من ضمن المدعوين مسؤول سابق معروف بالحكمة والحزم وسرعة البديهة، ودار الحديث عن حاجة منطقتنا لمحطة تحلية مياه فأراد المسؤول الكبير دفع المسؤولية عن نفسه فسأل المسؤول السابق لماذا لم تطالب بمحطة تحلية مياه في زمن إداراتك للمنطقة، فرد عليه (في زمني لم يكن المطر ينقطع عن الباحة حد أن الأهالي يطلبون من الله الصحو ويرددون اللهم حوالينا ولا علينا) كان الاستسقاء في طفولتنا جاذبا كونه درسا عمليا وتدريبيا على طلب الحاجات ممن يملكها والغيث عند الله ولذا تسمع الكبار والصغار والنساء يرددون (يا الله ارحمنا واحسن فينا ، يا والينا لا تخلينا) ومع دورتين في القرية ودعوات نقية صادقة تتراكم السحب و(يزوع الناوي) فتلهج الألسن ( كريم، عز واليك) واليوم تحاصرنا مشاهد اللامبالاة، والاستخفاف بنعم الله وعلى رأسها طلب المطر وبعض الشباب (ما يقول للراعد كريم) كون الفلوس في الجيب والسيارة فارهة (والمساقي عليها يضحك العثري) وبعض كبارنا يرددون مع صاحب المثل (إن قلنا يا الله في المطر تنفخوا أهل المشرق، وإن قلنا يا الله في الصحا ضاقوا بني محمد) ذلك أن رعاة الأغنام مع وفرة المطر يسمن جلبهم ويرتفع سعر بيعهم وما يحك أحدهم ظهره إلا بالمشعاب بطرة، ومن المؤسف أن البعض من أجيال شابة لا يدري معنى الاستسقاء والبعض يشتغل على تبديـع الأولين في طلبهم الغيث دون أن يدري أن إحدى جداته السوالف كانت تتلقف دم الذبيحة لكي تصنع به مرقا لكونها لا تملك لحما في بيتها فيحل الدم محل اللحم ويتحول إلى مرق يغمسون فيه ما تيسر من خبزة شعير أو ذرة. بالطبع الجوع من الإيمان إلا أن البطر كفر بالنعمة.. جمعة مباركة وماطرة بالفضل.