فرقة الخوارج من الفرق الضالة المنحرفة عن الصراط المستقيم وقد جاء ذمها والتحذير منها في أحاديث كثيرة من السنة الصحيحة، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم؛ أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة). رواه البخاري ومسلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( أول البدع ظهوراً في الإسلام وأظهرها ذماً في السنة والآثار بدعة الحرورية المارقة؛ فإن أولهم قال للنبي في وجهه: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل، وأمر النبي بقتلهم وقتالهم، وقاتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مستفيضة بوصفهم، وذمهم، والأمر بقتالهم، قال الإمام أحمد بن حنبل: صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه). ويلخص لنا الإمام محمد بن الحسين الآجري رحمه الله تاريخ الخوارج وبداية ظهورهم في صدر الإسلام فيقول: (لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء عصاة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة فليس ذلك بنافع لهم، وإن أظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس ذلك بنافع لهم لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون ويموهون على المسلمين، وقد حذرنا الله عز وجل منهم، وحذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده، وحذرناهم الصحابة رضي الله عنهم) إلى أن قال رحمه الله: (والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس، ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج يتوارثون هذا المذهب قديما وحديثا، ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين، وأول قرن طلع منهم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم: هو ذو الخويصرة، وهو رجل طعن في النبي صلى الله عليه وسلم أثناء قسمته للغنائم فقال له: اعدل يا محمد فما أراك تعدل !! فقال صلى الله عليه وسلم: ويلك فمن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ فأراد عمر رضي الله عنه قتله فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم من قتله؛ وأخبر عليه الصلاة والسلام: إن هذا وأصحابا له يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون في الدين كما يمرق السهم من الرمية، وأمر عليه الصلاة والسلام في غير حديث بقتالهم وبين فضل من قتلهم أو قتلوه. ثم إنهم بعد ذلك خرجوا من بلدان شتى، واجتمعوا وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى قدموا المدينة فقتلوا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، ثم خرجوا بعد ذلك على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقاتلهم رضي الله عنه؛ فأكرمه الله عز وجل بقتلهم، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- بفضل من قتلهم أو قتلوه، وقاتل معه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فصار سيف علي بن أبي طالب في الخوارج سيف حق إلى أن تقوم الساعة).أ.هـ قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى:- مؤيدا قتال علي رضي الله عنه للخوارج: (وفيه خيرة عظيمة لهم ولأهل الشام إذ لو قَووا هؤلاء -أي الخوارج- لأفسدوا الأرض كلها عراقاً وشاماً، ولم يتركوا طفلاً ولا طفلة، ولا رجلاً ولا امرأة، لأن الناس عندهم قد فسدوا فساداً لا يصلحهم إلا القتل جملة). وصدق -رحمه الله- فإن الخوارج قديما وحديثا متعطشون لإراقة الدماء وقتل المسلمين الأبرياء تحت مسمى الجهاد، وهو الفساد والإفساد، قال الله تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (11-12) سورة البقرة، وهذا ما ظهر جليا في الآونة الأخيرة من خوارج العصر من تنظيم القاعدة أو دولة داعش الذين عظمت بهم الفتنة وحصل بسببهم الشر والبلاء على الأمة حتى صدق فيهم وصف النبي صلى الله عليه وسلم (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) كما جاء في الصحيحين، وسبب قتلهم لأهل الإسلام هو تكفيرهم لهم والحكم عليهم بالردة، قال شيخ الإسلام عن الخوارج: (فَإنهم يستحِلُّونَ دِمَاء أَهْلِ القِبْلَةِ لاعتقادهم أنهم مُرتدونَ أكثر مما يستَحلُّونِ من دِمَاءِ الكُفَّارِ الذين لَيْسُوا مُرتَدِّينَ) وقال أيضا: (ويُكَفِّرُونَ مَن خَالَفَهُمْ في بدعتهِمْ، وَيسْتَحِلُّونَ دَمَهُ ومَالَهُ، وهذه حُلُ أهلِ البدَعِ يبتدِعُونَ بِدعَةٌ وَيُكَفِّرُونَ من خَالَفَهُمْ فِيهَا) وقال أيضا: (الخوارج دِينُهُمْ المُعَظَّمُ: مُفَارَقَةُ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ، واستِحْلالُ دِمَائِهِمُ وَأمْوَالهِمْ) وقال القرطبي عن حال الخوارج (وذلك أنهم لما حكموا بكفر من خرجوا عليه من المسلمين، استباحوا دماءهم). وإذا تأملنا واقع الأعداء وجدناهم يمكرون بالمسلمين مكرا عظيما قديما وحديثا، ومن مكرهم وكيدهم أنهم يسعون إلى تشويه الإسلام والدعوات الصحيحة التي قامت على منهج الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة، ومن تلك الدعوات الدعوة السلفية الإصلاحية التي قام بها الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب فرموها زورا وبهتانا بتهمة تكفير المسلمين وأن الجماعات التكفيرية الخارجية مثل داعش وتنظيم القاعدة وغيرها تأثرت بهذه الدعوة السلفية، وهذا كذب وافتراء فإن الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله- من أبعد الناس عن تكفير المسلمين الموحدين، يعرف ذلك المنصفون الذين قرأوا أقواله وطالعوا مؤلفاته. فمن أقواله رحمه الله: (وأما ما ذكر الأعداء عني: أني أكفّر بالظن، وبالموالاة، أو أكفّر الجاهل الذي لم تقم عليه الحدة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله). وقال أيضا: (وأما التكفير، فأنا أكفّر من عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه، وعادى مَن فعله؛ فهذا هو الذي أكفّره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك). وقال أيضا: (والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبيّن منه ما يخالف ذلك) وقال أيضا: (وإذا كنا لا نكفر من عبدالصنم، الذي على عبدالقادر؛ والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم، فكيف نكفر من لم يشرك بالله؟! إذا لم يهاجر إلينا) وقال أيضا مخالفا منهج الخوارج: (ولا أكفّر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه من دائرة الإسلام)أ.هـ رحمه الله فهذا هو موقف الشيخ محمد عبدالوهاب -رحمه الله- من التكفير فكيف تنسب إليه بعد ذلك هذه الجماعات التكفيرية الخارجية الضالة المنحرفة، وأما موقفه من القتال رحمه الله فيقول عن نفسه: (لم نقاتل أحدا إلا دون النفس والحرمة على سبيل المقابلة) وقال أيضا: لا نرى قتل النساء والصبيان) وقال أيضا: لا نقاتل إلا على ما أجمع العلماء عليه كلهم وهو الشهادتان) أ.هـ فأين هذا وما تفعله داعش من قتال المسلمين وقتال أصحابهم جبهة النصرة، بل خرج من داعش نفسها الآن طائفتان كل طائفة تكفر الأخرى وترى قتالها، جعل الله بأسهم بينهم شديداً. وإن الناظر بعين العدل والإنصاف في سيرة الإمام المجدد محمد عبدالوهاب -رحمه الله- يرى فيها العلم النافع والعمل الصالح والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والرفق بالمخالفين، ومن ذلك ما ذكره عنه حفيده الشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله أنه من ابتداء دعوته كأن يأتي الذين يدعون زيدا بن الخطاب رضي الله عنه ويستغيثون به، فكان يقول لهم (الله خير من زيد) تمرينا لهم على ترك الشرك بكلام ليّن؛ نظرا إلى المصلحة وعدم النفرة، فلم يقل لهم أنتم كفار مشركون، أنتم مرتدون ثم يدعو إلى قتالهم بل كان يترفق بهم ويطلب هدايتهم بالتي هي أحسن، فشتان بين هذا العالم الكبير وبين خارجي جاهل يتكلم في نواقض الإسلام وهو لا يعرف نواقض الوضوء، أو يفتي في حرمة الدماء وهو لا يعرف شروط الصلاة قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (9) سورة الزمر، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35-36) سورة القلم. ومما له صلة بالموضوع أن سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله سئل عمن يقول إن عقيدة الخوارج كانت عقيدة سلفية وإنهم أي الخوارج سلفيون؟ فأجاب رحمه الله بقوله: (هذا قول باطل، وقد أبطله النبي - صلى الله عليه وسلم- بقوله في الخوارج (تمرق مارقة على حين فرقة من أمتي يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم)، وفي لفظ آخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال في الخوارج: إنهم (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) وقد علم من عقيدتهم أنهم يكفرون العصاة من المسلمين، ويحكمون بخلودهم في النار؛ ولهذا قاتلوا علياً رضي الله عنه ومن معه من الصحابة وغيرهم، فقاتلهم علي وقتلهم يوم النهروان، رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين)أ.هـ وبعد هذا البيان يأتي من يأتي من بني جلدتنا وممن يتكلم بألسنتنا فيقول (داعش نبتة سلفية)! ولو كان صادقا لقال: (داعش نبتة شيطانية خارجية) لأن فكرهم قائم على فكر الخوارج وعلى الكتب التكفيرية التي تنضح بتكفير المجتمعات والدعوة إلى المظاهرات والثورات والاغتيالات وتكفير حكام المسلمين وعدم السمع والطاعة لهم في المعروف، قال شيخنا صالح الفوزان عن هؤلاء: (وإن هؤلاء المخربين إنما أخذوا فكرهم الهدام من فكر الخوارج الخارجين من قبل على الإسلام، وأخذوه من دعاة الضلال الذين وصفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بأنهم دعاة على أبواب جنهم من أطاعهم قذفوه فيها، قيل: صفهم لنا يا رسول الله قال: هم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)أ.هـ وأما كون داعش يستدلون ببعض كلام أئمة الدعوة السلفية فهذا لا يضرهم لأن الخلل راجع إلى الجهل والفهم السقيم لنصوص أولئك الأئمة، وحالهم كحال سلفهم الخوارج الأوائل الذين استدلوا على عقيدتهم الفاسدة بآيات من القرآن فهموها على غير وجهها الصحيح، وهذا الفهم الخاطئ لا يقدح في القرآن {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ* لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (41-42) سورة فصلت قال شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه: (وكانت البدع مثل بدعة الخوارج، إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، ولم يقصدوا معارضته لكن فهموا منه ما لم يدل عليه فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب، إذ المؤمن هو البر التقي، قالوا: فمن لم يكن برا تقيا فهو كافر وهو مخلد في النار. ثم قالوا: وعثمان وعلي من والاهما ليسوا بمؤمنين لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله)أ.هـ ومما يبطل هذ التهمة أيضا أن أعظم الناس مواجهة لفكر الخوارج والجماعات التكفيرية الإرهابية في عصرنا الحاضر هم علماؤنا السلفيون كالإمام عبدالعزيز بن باز والعلامة محمد العثيمين -رحمهما الله- وكذلك سماحة المفتي وشيخنا العلامة صالح الفوزان حفظهما الله؛ حيث قاموا جميعا جزاهم الله خيرا- بالرد على أباطيلهم وكشف شبهاتهم، فكيف يقال بعد ذلك عن هذه الجماعات التكفيرية إنها نبتة سلفية! سبحانك هذا بهتان عظيم. نسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين وإفساد المفسدين.