باريس: ميشال أبو نجم استبقت باريس اجتماع وزيري خارجية الولايات المتحدة الأميركية وروسيا في جنيف أمس بطرح «رؤيتها» لما يتوجب القيام به في موضوع الأسلحة الكيماوية السورية، فيما يواجه مشروع القرار الذي تقدمت به فرنسا بصورة غير رسمية إلى بعض أعضاء مجلس الأمن صعوبات تجعله يراوح مكانه. ويستشف من «الرؤية» الفرنسية التي عبرت عنها تصريحات وزير الخارجية المتلاحقة رغبة باريس التي لم تدع إلى اجتماعات جنيف الثنائية في «إسماع صوتها»، لا بل سعيها لأن تلعب دور «المحفز». وتبدى ذلك بوضوح أمس في قول الوزير لوران فابيوس إن نظيره الأميركي جون كيري اتصل به الاثنين «لمناقشة كيفية حصول المحادثات». واستمرت باريس على خطها المتشدد بالنسبة للمبادرة الروسية متمسكة بالشروط الثلاثة التي وضعتها منذ يوم الاثنين وهي: إدانة النظام السوري وتحميله مسؤولية استخدام السلاح الكيماوي صبيحة 21 أغسطس (آب) الماضي، والمطالبة بآليات دقيقة وسريعة للسيطرة على الترسانة الكيماوية وتدميرها بموجب قرار تحت الفصل يصدر من مجلس الأمن الدولي ويهدد بـ«تدابير» في حال لم تلتزم دمشق بتعهداتها، وأخيرا إحالة المسؤولين عن «المجزرة الكيماوية» إلى العدالة الدولية. وتوقع فابيوس أن ينشر تقرير المحققين الدوليين يوم الاثنين المقبل. ورغم أن مهمة هؤلاء ليست تحديد المسؤوليات، فإن الوزير الفرنسي توقع أن يتضمن «مؤشرات» تصب كلها في خانة تحميل النظام السوري المسؤولية لأنه هو من يملك الترسانة الكيماوية ومن يملك القدرات «من صواريخ وقنابل وطائرات» لإيصالها واستخدامها كسلاح قاتل، وهو الجهة التي لها مصلحة في ضرب المنطقة التي ضربت «ضاحيتي الغوطة الشرقية والغربية». وبناء عليه، فإن باريس تطالب سوريا بتعهدات قوية وجادة رصد منها فابيوس ثلاثة ملامح أساسية وهي أن تكون سريعة بحيث لا تسعى دمشق للمماطلة وكسب الوقت، وذات صدقية بمعنى أن تؤدي فعلا إلى حرمان النظام من هذه الترسانة، وأخيرا أن تتيح التحقق منها عبر عمليات رقابة وتفتيش صارمة. وردت فرنسا على الرئيس الروسي بوتين الذي اتهم المعارضة باستخدام الكيماوي لاستجلاب التدخل العسكري الخارجي بقوله إن ما جاء به الرئيس بوتين «لا أساس له ولا يتمتع بأي صدقية». وطالب فابيوس باستمرار الحزم في التعاطي مع الملف الكيماوي لأن «الحزم فتح الباب للدبلوماسية والضعف سيقفله». بيد أن التشدد، في نظره «لا يعني عدم اقتناص الفرصة» المتمثلة في الاقتراح الروسي، إذ من المهم التنبه و«عدم التغرير بنا». كذلك رد فابيوس على بعض التهم التي تساق بحق الرئيس فرنسوا هولاند والحكومة الفرنسية بخصوص السياسة المتبعة في إزاء سوريا. وقال فابيوس لمن يدعي أن الحكومة الفرنسية مربوطة بالعربة الأميركية مما يعني أنها لا حول لها في اتخاذ القرارات أو التأثير على اتخاذها، إن فرنسا «لا تسير وراء أميركا بل إلى جانبها وذلك من أجل الدفاع عن قضية محقة». وأضاف الوزير الفرنسي أن «أحدا لا ينكر أن حزم فرنسا وحزم الآخرين هو الذي جعل الأمور تتحرك» وتفتح الباب أمام الدبلوماسية. أما بشأن التهمة الثانية، فإن قائليها يدعون أن «الهدف الأول» من انغماس فرنسا في الموضوع السوري إلباس الرئيس هولاند ثوب القائد العسكري والتغطية على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الداخلية. غير أن فابيوس نفى بشدة هذا القول، مؤكدا أن رغبة هولاند ليست أبدا من هذا القبيل، بل إن تحرك فرنسا سببه أنها عضو دائم في مجلس الأمن ودورها محاولة رسم طرق السلام، كما أن مجزرة من هذا النوع لا يمكن التفرج عليها عن بعد فضلا عن الحاجة لحماية أمن فرنسا والفرنسيين. وفي أي حال، فإن باريس حريصة على إعادة وضع الأمور السورية في نصابها، إذ رغم الأهمية الكبرى التي يرتديها الملف الكيماوي «فإن المهم العودة إلى البحث عن الحل السياسي» بحيث لا تخفي الشجرة على ضخامتها «المجزرة الكيماوية» وغابة «الحرب الدائرة في سوريا». وفي محاضرة ألقاها في معهد العلوم السياسية، شدد فابيوس على ضرورة أن يفضي التفاهم على الملف الكيماوي السوري إلى تسهيل الوصل إلى حل سياسي يجسده مشروع «جنيف 2» المجهض حتى الآن والذي تريد باريس إعادته إلى الواجهة إلى جانب الاهتمام بالمقترح الروسي الذي تتخوف من أن يكون بمثابة فقاعات صابون أن بالونات اختبار تخبئ أكثر مما تظهر. وفي سياق مواز، وعدت باريس بالإسراع في البت بطلبات اللجوء التي يتقدم بها السوريون إلى فرنسا. ورغم وجودها في الصفوف الأولى، فإن فرنسا تستقبل من اللاجئين السوريين أقل مما تستقبله الدنمارك أو السويد. ووعد وزير الخارجية بأن تفتح فرنسا أبوابها أمام عدد أكبر من السوريين الذين لهم علاقات عائلية على الأراضي الفرنسية. ومن جانبه، قال الرئيس هولاند عقب لقائه رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في قصر الإليزيه، إن البحث الجاري بشأن الكيماوي السوري «يستهدف الوصول إلى حل سياسي»، مضيفا أن بلاده «مستمرة في الضغوط» العسكرية للخروج من الأزمة. وبحسب هولاند، فإن البحث اليوم يتم «بجدية» حول سبل فرض رقابة دولية على الترسانة الكيماوية السورية ومن أجل التخلص منها وهو هدف المباحثات الجارية حاليا. واعتبر الرئيس الفرنسي أنه إذا كان الجميع «واعين لمسؤولياتهم»، فإن الجهود المبذولة «يمكن أن تفضي إلى الحل السياسي» الذي لا يمنع باريس من الاستمرار في التزام موقف حازم والتهديد بالضربة العسكرية إذا لم تتعاون دمشق. وتندرج هذه السياسة فيما يسمى «المقاربة المزدوجة»؛ أي التفاوض والتهديد باللجوء إلى القوة في حال فشلت المفاوضات.