أظهر أحدث مسح للقوى العاملة 1435 ـــ 2014 الدورة الأولى، الصادر عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، ارتفاعا في أعداد العاطلين عن العمل من السعوديين، من 622.5 ألف عاطل بنهاية 2013 إلى 657 ألف عاطل بنهاية النصف الأول من العام الجاري، وانحصرت الزيادة خلال الفترة في رصيد الإناث الذي ارتفع من 361.1 ألف عاطلة إلى أكثر من 396.7 ألف عاطلة، مقابل تراجع أعداد العاطلين من الذكور للفترة نفسها من 261.4 ألف عاطل إلى 260.3 ألف عاطل. وتجاوزا للاختلاف الكبير بين بيانات العاطلين عن العمل بين كل من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات وصندوق الموارد البشرية التابع لوزارة العمل، وللاختلاف أيضا بين المصلحة من جهة وبقية مصادر البيانات عن سوق العمل المحلية لدى وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية من جهة أخرى، التي تختلف تماما في بياناتها حول أعداد العمالة الوطنية والوافدة بصورة كبيرة ولافتة، انتظارا لما سيظهره "مرصد سوق العمل المحلية" الذي مضى على الحديث عنه أكثر من ثلاثة أعوام مضت، ينتظر أن تدشنه وزارة العمل للقضاء على ذلك التضارب المعلوماتي بين ثلاث جهات حكومية حول ذات المتغيرات، الذي سيعالج دون شك هذه المعضلة حول أحد أهم مؤشرات الأداء الاقتصادي المحلي. حتى ذلك التاريخ غير المعلوم لدى أحد؛ تشير الزيادة في أعداد العاطلين عن العمل من السعوديين، إلى ارتفاع معدل البطالة بين السعوديين من 19.2 في المائة المسجل بنهاية 2013 إلى 19.3 في المائة في منتصف عام 2014، فيما سجل معدل البطالة للذكور السعوديين تراجعا من 12.8 في المائة للفترة نفسها إلى 12.4 في المائة، مقابل ثبات معدل البطالة بالنسبة للإناث عند مستوى 30.3 في المائة. يستمد الحديث في هذه المرحلة الحاسمة من عمر سوق العمل المحلية، أهمية أكبر وأكثر حساسية بسبب عاملين جديدين، سيحولان مسار السوق في المستقبل القريب، العامل الأول: التغييرات المرتقبة على نظام العمل السعودي في القطاع الخاص، وتحديدا في مواده المتعلقة بالتعاقد بين رب العمل والعامل، التي ستمنح مرونة أكبر لأرباب العمل في الاستغناء عن خدمات العامل. العامل الثاني: بدء التطبيق الفعلي لنظام التأمين ضد التعطل عن العمل "ساند"، الذي يستهدف حماية العاطل عن العمل مؤقتا، لمن كان عمره دون 59 عاما، بصرف تعويض شهري لمن فقد وظيفته لظروف خارجة عن إرادته مع رغبته في العمل وبحثه عنه. أثبتت تجربة سوق العمل المحلية طوال نحو أربعة أعوام، رغم كل ما أظهرته بيانات وزارة العمل من زيادة ظاهرة في أعداد العمالة الوطنية داخل منشآت القطاع الخاص، يقدر وصولها منذ نهاية 2010 حتى منتصف العام الجاري 877.4 ألف عامل، مرتفعة من 724.7 ألف عامل بنهاية 2010 إلى أكثر من 1.6 مليون عامل سعودي وسعودية بحلول منتصف 2014، إلا أنها في الوقت ذاته واجهت تحديات جسيمة جدا، تمثلت في: 1) تفاقم التوظيف الوهمي، الذي لجأت إليه منشآت القطاع الخاص لتجاوز متطلبات عشرات البرامج واللوائح التي أقرتها وزارة العمل طوال الفترة. 2) ونتيجة لذلك ظل متوسط أجور العمالة السعودية متدنيا، وسجل بنهاية 2013 تراجعه للعام الثالث على التوالي، ليقف عند 4748 ريال شهريا "مسجلا تراجعا نسبته 11.2 في المائة، مقارنة بنهاية 2011"، ووفقا لاستمرار المعطيات بأوضاعها نفسها، وقياسا على التطورات الحديثة الأخيرة، يتوقع أن يستمر التراجع في مستويات الأجور كما سأبين بعد قليل. 3) زيادة الاستقدام، وعدم قدرة منشآت القطاع الخاص رغم حجم التوظيف غير المسبوق في تاريخ الاقتصاد الوطني للعمالة الوطنية الاستغناء عن الاعتماد على العمالة الوافدة، وصل صافي الزيادة في العمالة الوافدة خلال الفترة نفسها 2010 ـــ 2014 إلى نحو 2.3 مليون وافد "2.6 ضعف زيادة العمالة الوافدة"، ليبلغ حجمها مع منتصف العام الجاري إلى أكثر من 8.5 مليون عامل وافد، وهو أمرٌ مفهوم بالنسبة لمن يدرك طبيعة عمل منشآت القطاع الخاص، التي يتركز نشاطها على إما الاستيراد بالجملة من الخارج والبيع بالتجزئة في الداخل، أو على الدخل المتأتي من العقود والمناقصات مع الحكومة، وهو ما ينتج وظائف مؤقتة قياسا على ارتفاع أسعار النفط وزيادة الإنفاق الحكومي، كما لا تتطلب تلك الوظائف توافر مهارات تعليمية مرتفعة، وهو ما يؤكده وجود أكثر 68 في المائة من العمالة الوافدة التي لا تحمل أكثر من الشهادة الابتدائية. وهذا بدوره أسهم في زيادة تحويلات العمالة للخارج، وفاقم من حجم التسرب الاقتصادي محليا. الآن؛ يأتي الأثر المتوقع للتعديلات القادمة على نظام العمل الجديد، والغطاء التكافلي ظاهريا لنظام "ساند"، حيث سيسهم هذا التطور الأخير في زيادة المرونة بالنسبة لقطاع الأعمال للتخلص من العمالة الوطنية، غير أنه هذه المرة سيستهدف فئات بعينها تتمتع بارتفاع مؤهلاتها وسنوات خدمتها، وأخيرا وهو الأهم مستويات الأجور، التي يقدر عددها بأكثر من 203 آلاف عامل وعاملة من السعوديين. لا أقول هذه المرة يتوقع بل لقد بدأت فعليا العديد من الشركات الكبرى، وبعضها شركات تمتلك الحكومة في رأسمالها نسبا مرتفعة، بمخاطبة العديد من موظفيها في المستويات الوظيفية الرفيعة حول عدم تجديد عقودها، ونيتها في إنهاء الارتباط الوظيفي معها. هذا سيؤدي بغض النظر عن زيادة معدلات البطالة، إلى تحقق ووقوع عدد من التطورات بالغة الضرر على المستويات الاجتماعية والاقتصادية كافة، يصعب بكل صراحة تصورها وتصور الآثار الفادحة التي ستخلفها وراءها، ولعل المجال يتاح قريبا لتسليط الضوء بصورة أكبر عليها في القريب العاجل ـــ بإذن الله. غير أن المنشود في الوقت الراهن، وعلى وجه السرعة، أن يتم استدراك الأمر قبل أن يستفحل بنمط سيكون خارجا عن السيطرة حال وقوعه، ولن يفيد معه مهما اتخذت من حلول في تخفيف صداماته الاجتماعية والاقتصادية البالغة الضرر. إذ يجب اتخاذ التالي: 1) إعادة النظر كلية في التغييرات المقترحة على نظام العمل، وتحديدا فيما يخص مواد التعاقد بين أرباب العمل والعاملين. 2) إعادة النظر في نظام "ساند" من حيث مصادر تمويله بداية، ومن حيث الفئات العمرية التي يشملها، ليتم خفضه إلى سن 36 عاما، وفي حال فقد العامل وظيفته للأسباب نسها التي لأجلها أنشئ "ساند"، أن يتم صرف تقاعده إذا كان المتضرر قد أنهى خدمات تتجاوز 25 عاما، مضافا إليها تعويضه عن بقية سنوات خدمته المتبقية حتى سن 60، كونه لم يكن صاحب قرار إنهاء خدمته، وفي حال كانت خدمته دون 25 عاما، يتم تعويضه بما لا يقل عن 80 في المائة من أجره قبل فقدانه وظيفته رغما، دون تحديد زمن لها حتى يجد فرصة عمل بديلة، وهو المعمول به في العديد من الاقتصادات كالسويد وأستراليا، وهي الدول التي غابت تجربتها تماما عن التجارب التي استشهدت بها وزارة العمل والتأمينات الاجتماعية. والله ولي التوفيق. نقلا عن الاقتصادية