أتدرون لماذا قرر جناب عضو هيئة الرياض أن يكون بطلاً للوثب العالي فوق جسد المقيم البريطاني؟ سأبدأ بالأسباب الصغيرة. أولاً، لأننا سكتنا من قبل خوفاً وتقية على كل من ركضوا فوق أجسادنا في عمليات تشويه متعمدة لمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقبل بطولة الوثب العالي صمتنا عن أبطال "الراليات" الذين اتهموا بقتل شقيقين على جسر بالرياض، مثلما صمتنا قبلها عن مطاردة الباحة. وقبلها كلها، صمتنا عن متابعة بطولة "الرمي" التي أودت بحياة شاب في "سويدي" الرياض، مثلما بلعنا ملف التحقيق في حلبة "المصارعة"، حين مات شاب تحت ركل الأقدام في الحادثة الشهيرة. وإذا ما استمرأنا هذا الصمت الرهيب فلا تستغربوا في القادم من الزمن أن يجرب أحدهم أن يقفز "الزانة" على عصا من الخيزران في سوق طبرجل. أتدرون بعده أين تكمن نواة قصة رجل الهيئة، في بطولة الوثب العالي الأخيرة بالرياض؟ الدهشة المكتملة تكمن في أن المجتمع لا يعرف لحظتها هوية هذا "البطل"، ولا يعرف إن كان محتسباً مستقلاً أم عضو هيئة أو حتى "دائن"، كان بينه وبين البريطاني إيجار شقة متأخر، وهذه هي أم الكوارث. المصيبة المؤكدة أن الثلاثي "الكوكباني" تم تهريبهم في سيارة فارهة لمتواطئ رابع، تماماً، مثلما تفعل "داعش" ما بين سد الموصل إلى الموصل. كل القصة تكمن حين يظن هؤلاء من أبطال الأولمبياد على أجسادنا أننا نعيش في العصر الحجري، بينما كل بطولات وثبهم ورقصهم وقنصهم وسباقات مطاردتهم مرصودة بكاميرات عشرات الجوالات. من هو الجريء الذي سيتبرع لتبرير قفزة "الوثب العالي" الأخيرة؟ وأي أمر بالمعروف هو ذلك الذي سيتطوع للدفاع عن عضو حالت بينه وبين الضحية عباءة امرأة؟ هذه الصورة بالضبط هزيمة أخلاقية مكتملة. سأنتهي بالسبب الأكبر: نحن تركنا معالي رئيس الهيئة يلوح وحده بيديه وهو يحاول إنقاذ ما يمكن من صورة رجل الهيئة. وبالبرهان، فإن أكبر عشرة من سدنة خطابنا المنبري وطيور مخيماتنا وندواتنا المتنقلة لم يتفوهوا بحرف واحد ضد هذا العبث الذي حول مفهوم الحسبة إلى لعبة أولمبية. هؤلاء، وبالعكس، يتحدثون عن أسود الهيئة عند الركل والقنص والمطاردة وكأننا حيوانات أليفة في غابة من النمور والأسود، لا في دولة قانون تحكم بشرع الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. وإذا أفلت بطل الوثب العالي من الحساب "احتساباً"، فلكم أن تستعدوا لما هو قادم من حلبات المصارعة والملاكمة باسم الاحتساب والحسبة.